منتدى القاضى - الأسرة والمجتمع العربى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فقه البلاغ الإسلامي

اذهب الى الأسفل

نقاش فقه البلاغ الإسلامي

مُساهمة من طرف واحد من الناس الثلاثاء مايو 24, 2011 2:49 pm






فقه “البلاغ” الإسلامي


===========



(مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ)، (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)، (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)، بل لقد عوتب النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على حرصه الشديد على هداية الناس حتى إنه ليكاد يقتل نفسه (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً).

هذه آيات قرآنية نزلت على صاحب الرسالة – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا مجال لفهمها على وجهها الصحيح إلا بالنظر إلى سيرة صاحب الرسالة وكيف عمل بها وفيها، ومن المؤسف – والمحيِّر أحيانًا – أنْ تخرج لهذه الآيات تفسيرات واجتهادات تُضاد ما فعله صاحب الرسالة على طول الخط؛ فهذا النبي الذي أًنزلت عليه هذه الآيات فحصرت مهمته في “البلاغ” لم يَعُد من ندائه على جبل الصفا ليجلس في بيته يرى أنه قد أدى ما عليه وأذن في الناس في البلاغ، ثم (مَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).

لم يجلس في بيته، بل لم يجلس في بلده، خرج إلى الطائف ثم طاف على القبائل يقول: “من رجل يحملني إلى قومه فأبلغ رسالة ربي فإن قريشا منعوني أن أبلغ رسالة ربي”، ثم خرج على كره منه من أحب البلاد إليه، ثم مات ودفن –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأرض التي استطاع فيها أن يبلغ رسالة ربه، إن في هذا لعبرة لأولي الألباب.

وعلى هذا، فإنَّ “فقه البلاغ” كما حدده صاحب الرسالة الذي نزلت عليه آيات البلاغ وعَرَّفَتْه مهمة البلاغ، ليس هو مجرد الإعلان، وليس مجرد البيان، بل هو العمل ثم العمل ثم العمل حتى يُقام الكيان الذي يتم فيه استيفاء مهمة البلاغ..

وهذا ما فعله النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فلم يمت قبل أن يوطّد للدولة أركانها، وحينئذ أتاه نعيه حين أتاه الناس يدخلون في دين الله أفواجا بعد أن تحقق “النصر”.. فهنا انتهت مهمة البلاغ وحان وقت الرحيل إلى الملأ الأعلى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). إنَّ تسمية السورة التي جاءت بنعي النبي له بسورة “النصر” يحمل معنى يجب ألا يغيب عن ورثة النبي من العلماء والدعاة.

ولقد خشي الخليفة الأول والأعظم أبو بكر الصديق أن يفهم الناس آية في كتاب الله تحصر “البلاغ” في مجرد البيان والإعلان، وتَرْفَعَ عن كاهلِ “الذين اهتدوا” القيام بفعلٍ في وجه الظالمين، فقال: “يا أيّها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وإني سمعت رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: “إنَّ الناس إذا رأوا ظالمًا فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب” (صحيح).

فمن ضرورات “الهداية” الأخذ على يد الظالم.. وواضح أن “الأخذ على اليد” ليس هو مجرد البيان والإعلان وإسداء النصائح والتحذير من عاقبة الظلم، إنه فعل مُوَاجِه مُقَاوِم.
لم يفعل الخليفة الأعظم شيئًا أكثر من أنَّه صحَّحَ فهم الآية بوضعها إلى جوار غيرها من النصوص، وهكذا ينبغي أن تُفْهَم النصوص، فلا يظن أحدٌ ممن يحملون ميراث النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنْ يرى أنَّ مجرّد البيان – دون فعلٍ مُوَاجِهٍ ومُقاوِم – يكفي لإيفاء مهمة “البلاغ”.

***

في سِيَر الأنبياء السابقين نرى النبي يدعو قومه فيحاورهم ويجادلهم حتى يبلغ معهم نهاية المطاف فينزل بهم عقاب الله ويُنجِّي الله الذين آمنوا، ومن المهم أنْ نعلم أنَّ آخر تدخّل للسماء كانت في إهلاك فرعون موسى، ثم اصطفى الله من عباده بني إسرائيل ليقوموا بواجب البلاغ، وفَضَّلهم – في هذا الوقت – عن العالمين، فمنذ ذلك الوقت كان ضروريًّا على الأمة المصطفاة أن تُنشئ كيانها الذي يقوم بالدعوة ويحميها وبها يبلغ رسالات الله.

لم ينج بنو إسرائيل – بل لم يفعلوا شيئًا ذا بال – إلا حين كانت تسوسهم الأنبياء، وهذا النجاح بلغ ذروته في ملك داود ثم سليمان (عليهما السلام) الذي جعل الله ملكه لا ينبغي لأحدٍ من بعده..

ثم كشف بنو إسرائيل عن طباع لا تليق بمن يحملون الرسالة الإلهية، وأثبتت القرون أنهم قوم سوء (كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ).. فعاقبهم الله بما هو معروف وقطعهم في الأرض أمما وضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضبٍ من الله.

ثم انتقلت رسالة الله إلى هذه الأمة المسلمة، وكان أكثر من ذُكر من الأنبياء في كتابها هو موسى نبي الله، وهو النبي الذي انتهى به العقاب الإلهي للطغاة، وبدأ به “تأسيس الدول” للدعوات، هو النبي الذي كانت “الأرض” جزءًا من دعوته، (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ)، والأرض هي العامل الأول لتأسيس الدولة.

ونحن أولى بموسى.. كما قال نبينا – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, فينبغي أنْ تنتبه الأمة المسلمة، وفي الطليعة منها علماؤها –الذين هم عُدُولها وخيارها – إلى أمور في هذه السلسلة التاريخيَّة للأنبياء.

أنَّ نزول العقاب الإلهي للطغاة قد أُوكل بالأمة المؤمنة التي اصطفاها الله لحمل رسالته (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)، وعليه فإنَّ إزالة الظلم ومواجهة الطغاة عملٌ هو من صميم مهماتها في هذه الحياة.. وأنه – ولهذا السبب – لم يكن نبيّهم – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رجلا صالحًا وحسب، بل كان مُؤسِّس دولة وقائدها، وأنَّه لم يَمُت قبل أن يُقيم الحق ويُزهق الباطل ويؤسس للكيان الذي يتم به “البلاغ”.
وأنَّ خليفته الأوَّل، وأقرب الناس إليه وأشدهم فهمًا لرسالته وإيمانًا بها، لم يرضَ أنْ يُفرّق بين الصّلاة – العمل الشخصي البحت – وبين الزكاة – عمل الدولة – وقالها بكل وضوح: “لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم عليه“.

وأنَّ واجب العلماء – الذين ورثوا النبوات – أنْ يكونوا على قدر المسؤوليَّة في القيام بواجبِ البلاغ، وهو – كما سبق واتَّضح – ليس مجرَّد البيان أو الإعلان، بل إنَّ الفعل من صميمه وأركانه.

لقد ورثت الأمة المسلمة رسالة الله في الأرض، هذا ما يُؤمن به المسلمون جميعًا، وإنَّ عليهم تبليغ هذه الرسالة إلى سائر الناس، وهذه الأمة التي اصطفاها الله تعالى لا ينبغي أنْ تفقِدَ الثقة في نفسها وفي قدرتها على حمل هذه الرسالة حتى وإنْ كان فيها الظالم لنفسه، كما قال ابن كثير ورَجَّحَ “أنَّ الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين، على ما فيه من عوج وتقصير” (ابن كثير6/ 547 ط. دار طيبة).. وأولى من هذا أن يثق المصلحون والدعاة والعلماء في هذه الأمة التي اصطفاها الله وأن يظنوا بها الخير والقدرة على إصلاح نفسها وإصلاح غيرها.

إنَّ أسوأ ما يمكن أن تُطعن به الأمة أن تأتيها الطعنة من علمائها ودعاتها، يرون أنَّها قد غَيَّرَت وبَدَّلت وزاغت، وأنَّ إصلاحها يحتاج العشرات والمئات من السنين، فربما يئسوا وربما رأى أحدهم أنَّ مهمته تقتصر على مجرد “البيان والإعلان” ثم يسمي هذا “بلاغًا”، ثم يرى أنَّه قد قام بحقه الذي يفرضه عليه ميراث النبوة!!
إنَّ عدم القدرة على النهوض بالأمة ينبغي أن يكون دافعًا نحو مراجعة المناهج والطرق والوسائل، ولا ينبغي أبدا أن يُفسَّر على أنَّ الأمة لا تريد النهوض، أو لا تستطيع النهوض، فإذا كان هذا حال من اصطفاهم الله فكيف بغيرهم؟!

ينبغي على العلماء أن يكونوا بحق ورثة الذين وصفهم الله فقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا”.
واحد من الناس
واحد من الناس
كبار الزوار

بيانات العضو
تاريخ التسجيل : 11/01/2011
الجنسية : مصرى
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 2901

https://alkady.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى