منتدى القاضى - الأسرة والمجتمع العربى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

النزعة التاريخية ومعنى التاريخ فى الفلسفه وعلم النفس

اذهب الى الأسفل

نقاش النزعة التاريخية ومعنى التاريخ فى الفلسفه وعلم النفس

مُساهمة من طرف واحد من الناس الثلاثاء أبريل 12, 2011 8:19 pm



حفزت رؤية التنوير التطلع نحو منهج "الحضارة " انطلاقاً من مبدأ التكامل ما بين البعدين الفردي والجماعي . وهكذا تبلورت الرؤية للتآلف ما بين الموجهات المتطلعة نحو العمق والسطح ، الداخلي والخارجي . ولكن يتبقى السؤال الأهم متعلق ، بطبيعة الأهداف المرتبطة بالفرد العميقة أو الداخلية . انطلاقاً من المحدد المرتبط ؛ "غاية الحضارة " والمدى الذي يكمن فيه ، تركز أوجه أنشطتها وفعالياتها فيه .وإلى أي حد (77) يمكن الوثوق بتجديد العلاقة القائمة ما بين المنجز الخارجي للحضارة وحالة التكامل الروحي بالنسبة للفرد .

كانت الأديان الشرقية القديمة ، قد استندت في رؤاها حول الكون انطلاقاً من أصل واحد ممثل بالجانب الأخلاقي . من هنا كانت النظرة المتعارضة مع الحياة ، حيث التركيز على الباطن (الأخلاقي ) مقابل إهمال للخارجي (الحضاري ) فالإيمان الأكثر حضوراً كان يبرز في وحدة الوجود والحلول .وهكذا أنبت تعاليم كونفشيوس ت 479ق.م في الصين و "بوذا " ت 480ق.م في الهند (78). أما الأديان السماوية فأنها استندت إلى رؤية قوامها ثنائية "الطبيعي والأخلاقي " . وباعتبار التنازع ما بين المبدأين ،أقرت الأديان السماوية بأن النتيجة النهائية ستكون لصالح الأخلاقي ، باعتباره قوة باطنة ، وهكذا فأنها ستكون في مكانة أسمى من المبدأ الطبيعي . اعتماداً على مبدأ (الأيمان ) كقوة أخلاقية تكون دافعيتها "فوق الطبيعة " ، حيث الكمال المنشود . من هنا تم حصر فكرة التقدم بروحية متفائلة نحو إصلاح العالم في غاية عليا . وباعتبار التفاعل ما بين الباطن والظاهر ، الأخلاقي والطبيعي ، فأن عملية التحول الطبيعي ، لابد أن تتوجه نحو تنظيم البنية الاجتماعية .

على صعيد الشواغل العقلية التي اهتم بها الفكر الأوربي ، لم يكن الأمر قد تخطى مسألة العلاقة ما بين ثنائية







" الأخلاق - الطبيعة " التي طبعت توجهات الأديان السماوية . وإذا كانت الغاية قد تحددت لدى الثانية ، فأن الفلسفة الغربية بقيت تتطلع في توجهات متبانية عبراتجاهات متعددة،كان الأبرز منها ؛ الأخلاقي ،الطبيعي ،إنكار العالم والحياة ، لكن تبقى مادة الدرس والتشريح متعلقة بالثنائية القائمة بين الأخلاق والطبيعة (79). وجاء عصر النهضة ليهيئ الاحترازات العقلية ، من خلال توجيهها نحو المباشرة في التعامل مع الطبيعة ، بعد أن كانت مشغولة بتتبع المقولات العقلية والمناظرات الفلسفية . وهكذا صارت التجربة هي الأساس في توجيه العقول نحو استنباط القوانين والخضوع لمدركاتها في سبيل التغيير (80) والحفز نحو الأمام لابد من التأكيد هنا إلى أن عصر النهضة ، لم تتبلور فيه الاتجاهات العقلية بشكل نهائي أو حاسم . بل بقي يمثل حالة من المخاض في سبيل بلوغ ولادة الأفكار الجديدة . وبفضل القوانين التي إستنبطها العلم التجريبي ، وزيادة التطلع لاكتشاف الطبيعة بشكل واسع . برزت فكرة حرية الإرادة ، التي وثقت التوجهات (81) الإنسانية في السيطرة على الطبيعة لينبثق عنها ، شعور بفكرة التقدم المقرون بالتفاؤل .

كان (رينيه ديكارت ) ت 1650من رواد النزعة العقلية التي تطلعت نحو الفصل ما بين الفكر والجوهر المفكر ، وبين المادة والجوهر الممتد . وفي ضوء هذه العلاقة ، يمكن للعقل أن يصل إلى الحقيقة من خلال الأفكار المتعلقة بالحدس والاستنتاج . أي توطيد أواصر العلاقة ما بين الفكر والعقل (82) المبتنى على الحكمة . وعلى ذات المنهج تتبع "باروخ سبينوزا " ت 1677 فكرة الوصول إلى الحقيقة ، من خلال الفصل ما بين الفكر الديني والفكر العقلي . وبهذا يكون توصل إلي نوعين من الفكر ؛ الأول ويستنده إلى الشريعة الأخلاقية وقوام مفاهيمها من صنع الخيال وتكون موجهة إلي العامة حيث القوى العقلية البسيطة . أما الثاني فأنه يستند إلى أصحاب القوى العقلية الفائقة ، ولابد أن تكون لهم حرية الرأي من خلال استخدام الفكر العقلي (83). وقد جسد فكرة العقل ،في فكرة الدولة التي تجعل من الأفراد خاضعين لقوانينها من أجل ضمانة تحقيق الفضائل الأخلاقية وتطورها . واستناداً إلى مفهوم الضرورة المنطقية المطلقة ،حدد" سبينوزا " معالم العلاقة المفهومية بين (الله ، الإنسان ، الطبيعة ) رافضاً الانفعال الحسي ، ومشدداً على أهمية الاتحاد العقلي المجرد في الحقيقة الأزلية والسرمدية (84). انطلاقاً من فكرة أن الأهواء نقص في الوجود ، وان العقل زيادة في الوجود . والغاية الأهم في كل هذا الوصول إلى مضمون الحرية حيث السعادة في غاية مراحلها. منطلقاً في تحديد مستويات المعرفة ؛ الحسية القائمة على الأهواء والانفعالات ، والاستدلالية الموصلة لفكرة الحقيقة ، والحقيقية الأولى التي لايمكن الوصول إليها إلاعن طريق حب الله والحدس (85) حيث السعادة القصوى .

أما "كانط " ت 1804 فقد نظر إلى فكرة الأخلاق باعتبارها دافعا نحو التكامل الذاتي للإنسان ، رافضا أن تكون مجرد "وسيلة، " بل مشدداً على أن تكون "غاية " فالأخلاق كامنة في الإنسان ، وهي المسؤولة عن تحرر الإنسان من الحواس ، انطلاقاً نحو العالم الأعلى ، وهكذا فأن الأخلاق لا تقوم إلاعن طريق بناء الذات









وسعادة الآخر (86). وكان (فختة ) ت 1814 قد ربط بين الذات والمعرفة جاعلا الذات شرطاً للمعرفة ، وبالمقابل

جعل من الطبيعة شرطاً لممارسة الذات الحرية والتقدم . ومن أجل الوصول إلي التكامل لابد لهذه الذات من العمل لتحقيق الحرية (87) .وصولاً إلى المثل الأعلى ، انطلاقاً من الخضوع إلى القانون الأخلاقي الذي سيكون

في مفترق الطرق الموجهة إلى فرعين ؛ المتوجهة نحو الاهداف العليا التي تلتقي فيها النفس والأفكار . أو التطلع نحو الغرائز الحسية . وقد آمن "فختة " بأن كل أمة لها ثقافتها الخاصة المميزة (88)، والتي تمثل حلقة متممة في التكوين التاريخي للمجتمع البشري .

ترتكز تطلعات "هيغل " ت 1831 إلى أن التاريخ في وحدته يستند إلى أساس عقلي مطلق ، وأن التطور يسير على مر الزمان ، من خلال نظرتة إلى أن العالم في حالة من الحركة والتغير المفضي إلى التطور الدائم "مبدأً الصيرورة "وانطلاقاً من وحدة الفكر والوجود ، أقام "هيغل " فاصلاً بين الفكرة والتصور ، على اعتبار أن الفكرة تمثل المعرفة الكلية المطلقة والحق ، في حين أن التصور لايتجاوز اللحظة ،لكنها لحظة موحية لإنطلاق الفكرة (89). وقد عمل جاهداً نحو ترسيخ مفهوم المثالية من خلال الربط بين الواقع والمعقول . فالفكرة هي المطلق ، والمطلق هو الذات الكلية ، محدداً في ذلك ثلاث مراحل لأطوار الفكرة المطلقة ؛ الأول ويتمثل في عنصر التفكير الذاتي "المنطق" ، والثاني في المظهر الخارجي لمقولات التفكير الذاتي "فلسفة الطبيعة " ،والثالث في الفكر والتاريخ (( فلسفة الروح (90)) .

كانت غاية فلسفة "هيغل " متوجهة نحو "الحق " ، وعليه تطلع نحو دراسة معنى الوجود ، من خلال الارتكاز إلى دراسة القوانين الحاكمة للوقائع في التاريخ ، وهكذا وضع يده على فكرة نقض النقيض وصولاً إلى التطور (91) الدائم . فالموضوع يفضي إلى نقيض الموضوع ، وباتحاد الأول مع الثاني ينتج " مركب موضوع " ليصبح هذا "المركب "موضوعاً ،(92)، وهكذا دواليك . ومن هذه الجدلية تمكن أن يصوغ فلسفته للتاريخ ، عبر نقل فكرة (الوجود ) إلى عالم الواقع . فالمطلق حين صنع العالم كانت غايته (الوعي لذاته ) فأدراك ذاته يتم عن طريق مخلوقاته ، وأن معنى العالم يكمن في عالم الروح (93) .

فرضت التحولات التي عاشت في كنفها المجتمعات المتقدمة ، اتجاها حاسماً نحو بناء فكري جديد ، قوامه تأسيس معرفة للوجود تأخذ في حسابها العناية بالتاريخ الكلي . أي البحث في الأصول المعرفية لكل تقدم مر على البشرية ، من حيث الأصل الوجودي . وكان هيغل قد عمل على ربط العامل الزمني بالكينونة ، على اعتبار أن الزمن كفيل بإظهار الروح ، التي جعل منها الحافز الأصلي في تحريك التاريخ . فيما عمد إلى الربط بين الفكر والطبيعة والتاريخ (94) انطلاقا من فكرة أن العالم من صنع الروح ، أما الواقع فأنه لاسبيل إلى تفسيره إلاّ من خلال الفكر . فالعالم ما هو إلا إفراز للفكر . وإذا ما كان الواقع يرتبط بالفكر بوشائج الوجود ، فانه يتعين علينا الإقرار بأن المفاهيم ما هي إلا تعبير عن الواقع الفعلي . وهكذا يكون الفكر هو الوجود ، والوجود هو الفكر . وعلى أساس هذه العلاقة ، تمثلت فلسفة التاريخ بإبراز الوجود في إطار (95) التوافق مع







الفكر . من هنا كان التمييز والفصل في التعامل مع التاريخ عبر تمثلين ؛ الأول ومستنده التاريخ الوصفي الذي يعنى بالجانب الخارجي من الظاهرة ، حيث تكون الأهمية القصوى للحدث ، وارتباط الفاعلين التاريخيين به ، إذ يتم ربط غاية التاريخ بالغايات التي ينشدها أولئك الفاعلين . ومهما كانت النظرة إلى " التاريخ الوصفي ) إلا أنه يتبقى حاملاً بين ثناياه الكثير من المعطيات الفكرية والقيم الأخلاقية . أما التمثل الثاني فيكمن في " التاريخ بتأملي " الذي يحاول رسم صورة عالمية موحدة شاملة عن العالم ، كسبيل للخروج بمعنى تاريخي (96). ومهما كانت تطلعات هذا الشكل التاريخي وغاياته ، إلا أنه يبقى يدور في فلك الحاضن التاريخي الأول الموسوم بالوصفي . فالمؤرخ لا يستطيع الخروج من تقمصا ته الذهنية والفكرية والمعرفية ، ليجردها في طابع شمولي حقيقي . وإذا تطلع التاريخ التأملي نحو الطابع الأخلاقي بلوغاً لاستخلاص العبر . فأن التحقيب الزمني يكشف وبجلاء عن تهويمات الإسقاط التاريخي ، على أساس أن لكل حقبة ظروفها وملابساتها وإشكالياتها على مختلف المستويات في المعنى والإرادة والسياق والرهانات . وعلى هذا لايمكن " للحظة التاريخية " أن تتكرر في مسار التقدم الزماني . كما أن الولوج في سياقات تاريخ التاريخ للتحقق من صدق الرواية التاريخية من خلال ممارسة النقد عليها ، لا يجعل منها سوى إغراق في التأملات الذاتية ، النائية بعيداً عن المسار التحولي الذي ينشده التاريخ . أما التطلع نحو دراسة جانب بعينه في تاريخ التطور الفعلي والجمالي والأخلاقي للإنسان ،مثل تاريخ الموسيقي أو تاريخ المسرح ، أو تاريخ الدين ، فانه يفصح (97) عن توجه نحو الاهتمام بالتاريخ الشمولي الذي تنشده فلسفة التاريخ .

وإذا كانت وشائج التاريخ وأمشاجه المعرفية ، قد أنبنت على آليات السرد والتحقيب الزمني ، فان البعد الأنطولوجي الذي يهدف إلى بلوغ الحقيقة ، تمثل فيه تشكله الأزلي ، باعتبار أن الحقيقة ثابتة لايمكن لها أن تخضع لأطوار الزمان وتبدلا ته . وهنا سنكون في مواجهة حاسمة ما بين التاريخي الذي يستند إلى الماضي ، حيث يتمفصل الحدثي بمكنون ما يقدمه السرد (98). والفلسفي الذي يستند إلى العقل من أجل الوصول إلى الحقيقة . وعبر إجراءات النقل والتحويل المنهجية في المعاني تكون ، فلسفة التاريخ قد أرست فكرة العقل الذي يحكم مسار التاريخ ، وأن التاريخ الشمولي إنما يقوم على فكرة فاعلية الروح في صنع التاريخ (99) هذا مع التأكيد على ارتباط مفهوم العقل بالغاية المطلقة ، ذات التجليات المتعددة والطبيعة الثابتة (100) . وإذا كان التاريخ بمثابة الحامل المعرفي للمكنون العقلي عبر تجليات الفكر ، إلا أن العقل المقصود هنا ليس المنسوب إلى الأفراد أو المؤسسات أو المجتمعات أو الدول ، فهنا سيكون بمثابة لحظات تاريخية .

العقل ــــــــــــ الأفراد أو المؤسسات ــــــــــــ لحظة تاريخية

العقل ـــــــــــــــــــــ المعنى التاريخي ((المطلق )).

*مخطط معرفي لمعنى التاريخ العام

فا التاريخ العام ينشد جميع اللحظات التاريخية عبر الحامل ((الأفراد والمؤسسات )) عبر مكنو نها







العقلي وصولاً إلى المعنى التاريخي ((المطلق )) في دوالية الحضور المستمر غير المنقطع . فالعقل حافز

والطريق إلى بلوغ المطلق يتم (101) عبر التاريخ المتدرج .

يركز "نيتشه "ت 1900 معنى الحقيقة في العالم الحي ، رافضاً في ذلك عالم المثل ، على اعتبار أن القيم

الشاخصة ، ما هي إلا تمثلّ لإرادة القوة ، والتي تمثل في محتواها "ماهية " الكائنات ، فالإرادة لديه بمثابة الأداة الأساسية التي تؤكد الذات والقدرة والتفوق (102). وكان قد شدد على أن ظهور الإرادة ، يتجلى في الجسد أولا، أما العقل فأنه مجرد وسيلة . فالغريزة قوة خلاقة مبدعة ، في حين أن الوعي قوة نقد و سلبية . وإذا كانت "الإرادة القوة " تمثل ماهية الكائن ، فأن (العود الأبدي للعين نفسه ) يمثل المظهر الذي تبدو عليه الإرادة (103). فاللحظة التي يعيشها الكائن مسؤول عنها باعتبار تماهيها مع اللحظات العائدة . هذا بمعنى أن الإنسان الأعلى ، هو القادر على الخلق والإبداع في مجال القيم والأخلاق والذوق ، وهو القادر على أن يعيش لحظته وله القدرة على استعادة هذه اللحظة (أبدياً) فالإنسان كانسان لا بدله من الخروج عن أخلاق القطيع ، والتطلع ذاتياً نحو صنع حياته وقيمه لكن هذا كله لا يكون بالمطلق (104). إذ ميز "نيتشة " بين نموذج الإنسان الأعلى المسؤول ، والإنسان المتخاذل والذي حمله المسؤولية أيضا ، في مواجهة اللحظات المتشابهة التي ستواجهه .

لقد عاد "نيتشة " إلى أصول الشعور التاريخي الذي يعود على نفسه في المجال الأوربي . من خلال رفض النقل والدعوة إلى التحول العميق. وهو لم يتوان عن توجيه التهمة إلى تاريخ الفكرالغربي برمته ،على أنه قد تأسس بناء على خطأ معرفي . حتى أعلن رفضه للنزعة العقلية وأشكال التصور والربط بين الفكر والواقع . بل أنه عكف على تحديد المقدسات الذهنية التي درجت عليها العقلية الغربية ، داعياً للكشف عنها وهدم محتواها ، إن (105) كان في ؛ الأخلاق ،السياسة ، الفلسفة . فقد صبّ جام غضبه على أوهام المبادئ الفلسفية ، مبتدءاً فيها بالمباديء الخاصة بالفكر من ؛ الذات ، الموضوع ، الجوهر ، العلية ، الغائية ، الشيء .واسماً إياها بأنها الوسائل التي تفيد التملك (106). وإذا ما كانت "الهوية Identity أساساّ في الفكر ، فأنها ليست أساسا في الوجود ، على اعتبار التغير والصيرورة الذي يحتويه الوجود . وبما أن مظاهر العقل مختلفة ومتمايزة ،فان الحديث عن العقل الواحد يعد تهويماً وإسفافاً . فالوجود يتناقض مع العقل ، لأنه يدعي معرفة كل شي ، وفي هذا يكون خطراً على الحياة . أما الحديث عن العقل الكلي ، فهو أمر لايمكن أن يحظى بالقبول ،على اعتبار أن التجسد العقلي، لا يتبدى سوى بجزئية محددة ضمن الموجود الإنساني الذاتي . وعليه خلص "نيتشة " إلى الفكرة المستندة . إلى أنه لايمكن الإيمان بالوجود الثابت، بل الأصل يكمن في التغير والصيرورة .

الوجود ــــ الحياة ـــــ إرادة ـــــ إرادة القوة ـــــ القوى الفاعلة تؤكد اختلافها .

فالخير يصدر عن القوة ، والشر يصدر عن الضعف ، أما السعادة فأنها تمثل مقدار تزايد القوة







ونموها . فلا سلام ولافضيلة ، بل الحرب والمهارة . وعلى هذا فان القوة هي جوهر الوجود ، وهي المفضية إلى تفسير كل شيء في الوجود ، ومعرفة الوجود إنما تتم عن طريق الشعور بالحياة والقوة . وكل قيمة يمكن أن يصنعها الإنسان في الحياة والإرادة والعقل (107) والصيرورة إنما تكون بمثابة الوجود .

وضع "نيتشه " بديله للمعرفة والحقيقة ، استنادا إلى التأويل والتقييم . فالتعامل مع الظاهرة يبقى غير واضح باعتبار تجزؤ المعاني . وعليه لابد من التقييم الذي سيعمل على تحديد القيمة ، إذ لا توجد (أسبقيات ) بين الفكر والحياة ، بقدر ما توجد وحدة عضوية بينهما . وبهذا يكون قد وجه قطيعته مع المثالية التي أكدت على الفصل بين الحياة والفكر . فالمثالية حسب تصوره ، لا تحمل دلالة أو معنى ، باعتبار خضوعها للقيم الجاهزة التي جعلت منها (عليا) بدءاً بالقياس السقراطي المستند إلى معيار الفعل ، وصولاً إلى هيغل الذي يقوم على أساس "الوعي بالذات " . وهكذا يرفض "نيتشه " ؛ علم الكائن من حيث هو كائن الأ نطولوجيا ،ليقدم بديله النقدي (108) المستند إلى ؛( قيمة الأصل وأصل القيمة )الجينالوجيا ، حيث البحث عن المعنى والدلالات من خلال التقييم المبتنى على التأويل . والهدف هنا لا يقوم على أساس العناية بالاعتبارات العقلية ، قدر تطلعه نحو فكرة "الإنسان الأعلى ".

الوجود ــــــــ تأويل ــــــــ المعاني "مجزأة " .

الحياة ـــــــــ تقويم ـــــــ الدلالة "قابلة للتحديد ".

من ثنائية الظاهر ،يتم تحديد علاقة القوة بالواقع ، وصولاً إلى المعنى التاريخي الذي يؤكد على أن القوى تتوالى متصارعة من أجل تحقيق المعنى . فالمعنى يتغير وفق القوة التي تسيطر عليه . ومن خلال تعدد الدلالات وتنوع علاقاتها يمكن الوقوف على تنوع في المعاني حيث يتركز مفهوم التاريخ . فالظاهرة تحمل في داخلها قوى فاعلة بقصد السيطرة ، وقوى منفعلة متوجهة نحو التكيف . وهكذا يتم تحديد ماهية القوة وهي "الإرادة " من خلال علاقة القوة مع القوة . وغاية الإرادة ليست القوة ، بل هو ذلك المكنون الذاتي ذو الطبيعة الإختلافية . الذي يهيء للقوة قابلية الاشتقاق ، وهكذا يتم تأكيد اختلاف القوى ، من خلال سيطر ة إرادة القوة على القوة . وإذا كان التأويل يصل إلى المعنى عن طريق القوى المتعددة ، فأن دور التقييم سيقوم بتحديد القيم من خلال إرادة القوة . ومن هنا ينشأ التعدد والاختلاف . أما الخضوع للقيم العليا فأنه سيؤدي إلى مطابقة لا ينجم عنها سوى الخضوع والضعف ، لتكون النتيجة إحلال القيم في مركز أو مرتبة أسمى من الحياة ، حيث تكون الدلالة قد تحددت نحو الحياة الضعيفة . وإذا كان "نيتشه " قد توجه بخطابه نحو رفض التراث الفلسفي الأخلاقي المبتنى على العلاقة ما بين الوجود والعقل ، وإخضاع النزعات الحسية لسلطة الأحكام والمعايير الأخلاقية والقيمة (110)، حيث المثال الجاهز والراسخ . فانه كان يدعو إلى علاقة جديدة بين المفاهيم والقيم ، والعقل والجسد ، قوامها الأخلاق الشمولية . وحتى إذا مارسنا على القواعد التي لا تحمل دلالة جوهرية وفرضنا عليها اتجاها بعينه من خلال عملية التأويل ، وأخضعناها لإرادة جديدة وقواعد أخرى غير الأصلية ،





لوقفنا عند تأويلات متعددة ومختلفة ، تحمل في ذاتها قواعد المطابقة مع غاية البشرية ، ألم يقل (111)"نيتشه " بأن التاريخ هو مسار تعدد المعاني .

من تحت أنقاض الهزيمة الألمانية في الحرب العالمية الأولى ، يبرز "أوزفالد شبنغلر " ت 1936 في

وضع تاريخ عالمي يزخر بالتشاؤم وتفوح منه رائحة الموت ،انطلاقاً من قانون الوجود ، حيث الموت لابدّ له أن يحط على جميع أشكال الحياة وصورها وتمثلاتها وأفكارها . وهكذا تخضع الثقافة أيضاً لهذا القانون ، حيث يكون مصيرها المحتوم هو الموت أيضاً (112). ومن هذه الرؤية بنى تصوره لفلسفة التاريخ ، انطلاقا من الرؤية المورفولوجية المستندة إلى علم الأحياء التي تأخذ بدارسة بنية الكائن الحي وشكله ، معتبراً أن كل ثقافة لها الخصائص المميزة المقترنة بالكائنات الحية ، ويمر عليها ما يمر على الكائنات من ((ولادة ،نمو ، نضج ، موت ))(13) وأن الأساس الثابت في الثقافة يتجلى في روح الحضارة . وكان قد تأثر بنظرية الفيلسوف الألماني (وليم ديلتي ) ت 1911 (114) الذي وجه إنتقاده إلى المتيا فيريقيا ، مشير اً إلي أن العلم يجب أن يقام على أساس، التاريخ . مؤكداً على شمولية .مفهوم الحضارة ، حتى أنه لم يتوان عن جعل الفلسفة جزءاً من الحضارة ، وبنية من البنى المكونة لها (115) حيث أناط بالمؤرخ وفقاً لهذا التصور مهمة تحديد وتعيين العلاقات والظواهر الثقافية داخل المجتمع . ودعوته قد تركزت في أهمية التفكير الباطني المخالف قطعاً للطبيعة . ساعياً في ذلك نحو الرؤية الوجودية لرفض المتيافيزيقيا التي تربط الواقع بالمطلق . على اعتبار أن الفكر يرتبط بالوشيجة العضوية بالحضارة .

واعتماداً على مباديء فلسفة الحياة تم النظر إلى التجربة التاريخية عبر معيارين ؛ الحي ، الآلي . من أجل إدراك الوجود ، حيث الفصل بين التاريخ والطبيعة . فالتاريخ ليس مجرد حقائق متراكمة ، بقدر ما هو وقائع ذات حركة مستمرة متماهية مع الزمان (116)وفي صلب واقع الحياة المستمرة . فالتاريخ حياة لا يتم تفسيره إلا عن طريق الحياة ، حسب نظرية ((ديلتي )) وواجب المؤرخ يتركز في استعادة الحياة " الوقائع التاريخ " وجعلها في مزيج متوّحد مع الحياة الحاضرة . وباعتبار أن التاريخ حياة ، لذا نجد أن ما يصدق على الحياة يصدق على التاريخ . وعليه فأن الأثر التاريخي أو الدليل لا يعد متمماً (117) للنسيج التاريخي بقدر ما يمثل مادة لإعادة الحياة في التاريخ ، من أجل ضمان استمرار الحياة . وكما يقول شراح الفلسفة إذا أردت أن تفهم مقولات نيتشه عليك بالمقولات التي طرحها "شوبنهور " ت 1860، فأن الطريق لفهم شبنغلر يتم عن طريق إستيعاب مقولات ((ديلتي )).

في إطار معالجتة لفكرة الحياة والروح ، أشار "شبنغلر " إلى أن الفلاسفة السابقين لم يميزوا بين الزمان والمكان .منطلقاً من فكرة فعل العد الذي يمثل الحياة ، والعدد الذي يكون خارج الزمان (118) والزمان لايمكن تحديد اتجاهه طبيعياً ، كما أنه غير قابل للإعادة . وتطلع نحو تحديد صورتين للوجود ، على الرغم من تعارض فكرة الصورة مع الحياة التي تقوم على التغير المستمر . وكانت صورة الوجود الأولى قد تمثلت في







"الطبيعة " (119)وفي سبيل بلوغ الوعي بها لابد من المنهج التجريبي . في حين تمثلت الصورة الثانية في

"التاريخ " الذي يستدعي منهج "الحدس " بناء على تحديد معالم الوقائع والأحداث ،واستخلاص الرموز

والدلالات من هذه الوقائع .

الحدث ــــــ المعنى ــــــ الروح

الشاهد ــــــ الدلالة ــــــ الحياة

ومن أجل بلوغ معنى الوقائع ، لابد من التوقف عند الروح التي خفزتها ، أما الشواهد فأنها تكون بمثابة الدليل على الحياة . ومن هذه الوقائع والشواهد يكون الارتكان عند الروح الواحدة التي صنعت التاريخ . وبحثاً عن المعنى صاغ مبدأ "التماثل " لدراسة الحدث التاريخي ، انطلاقاً من المدى الذي يفرزه كلّ في حضارته ، مع الأخذ بالاعتبار الظروف الواحدة المحيطة (120) بكلا الحدثين . وانطلاقاً من الفروض المنهجية لهذا المبدأ ، توصل شبنغلر ، إلى أن المركب الداخلي لجميع الحضارات واحد ، اعتمادا على المعنى الواحد الذي أفرزته كل حضارة على حدة في المجال السياسي ، الاقتصادي ،الاجتماعي ، الديني ، العلمي ، الفني . وهذا كله يقدّم للمؤرخ القدرة على التنبؤ بالأدوار التاريخية لكل حضارة . بل ويمكنهّ استحضار العصور التاريخية الماضية انطلاقاً من التفاعل مع المعنى والأدوار التي تمر بها الحضارات المختلفة من ؛ ولادة ، نمو ، نضج ، موت . فالتاريخ لديه ليس مسيرة من التواصل من القديم إلى الحديث ، بقدر (121) ما هو تمثيل لدوائر حضارية ،لكل منها فرادتها وخصوصيتها .

كان التأكيد على أهمية التعامل مع التاريخ ، ببعده الزمني الخالص دون تمييز بين مدة زمنية وأخرى . فيما كان (العزل ) من الضرورات التي ركز عليها "شبنغلر " فلكي تصل إلى وعي جديد بالتاريخ ، لابد من تجديد النظرة ، والتعامل وفق منطق إفراغ التصورات السابقة ، من خلال الاعتماد على رؤية قوامها ؛ أن التاريخ على الصعيد الزماني لا يختلف عن أي زمن آخر ، مع أهمية اعتباره شيئاً غريبا وبعيداً ، لا يخضع للمشاعر (122) والعواطف والرغبات والميول والأهواء. وأن حكم المؤرخ لابد أن يصدر من خلال التعامل مع جميع الحضارات التي أنتجتها البشرية، وليس وفق التصور الأحادي، المنطلق من رؤية تابعة لحضارة بعينها . من هنا كانت الضرورة المنهجية قد أملت أهمية التمييز بين الطبيعة والتاريخ .

فالطبيعة خاضعة لقانون الإمكان، حيث العلية الطبيعية ، التي تؤكد أن الظاهرة تفسر نفسها ، سواء برزت للعيان أم لم تبرز . فجميع الحقائق فيها تستند إلى النظام الثابت " وعليه فأن ظواهر الطبيعة لا تحتاج إلى تعريف . فمنطق الثبات هو الذي يقوم بدور التعريف بها . في حين أن التاريخ قوامه "الحدث " وحقائقه يتم بلوغها عن طريق (123)الحدس والاستنباط . وإذا كان المستقبل يكون بمثابة الطريق الذي يسير عليه ،فأن الماضي يبقى شديد الصلة به ، لتوكيد هويته وذاتيته .

ومن علاقة الثبات والتحول، توصل شبنغلرإلى التمييز بين التاريخ كمعنى يقوم على"الصيرورة "







و"التاريخ " المستند إلى فعل التورخة وتدوين الحدث ، حيث يتم تحويل "الصيرورة إلى" ثبات " من خلال التدوين .

الطبيعة : العلية ـــ ثبات ـــ تعريف ــــ مدرك خارجي

تأريخ : المصير ـــ صيرورة ـــ تحويل ــــ مدرك باطن

تاريخ : العلية ـــ ثبات ـــ تعريف ــــ مدرك خارجي

الحياة : المصير ـــ صيرورة ـــ تحويل ــــ مدرك باطن

ومن تجاور المعاني يتم توطيد العلاقة ما بين "التاريخ والحياة "، وبذات القدر تتشكل العلاقة ما بين "التاريخ والطبيعة " وإذا كان كوبرنيك قد دعا إلى استقلال البحث في مجال الطبيعة ، فأن دعوة "شبنغلر "قد دعت هي الأخرى إلى (124) استقلال البحث في مجال التاريخ ، انطلاقاً من أهمية رفض الأسبقيات في إطلاق الأحكام الجاهزة حول المقارنة بين العصور الحديثة والعصور القديمة . فجاهزية كهذه ستجعل من المؤرخ يقع في شراك وهم لا يختلف كثيراً ، عن الوهم البصري في تمييز الأجسام ، حيث يشاهد الجسم الأقرب إليه ، هو الأكبر،والأكثر غنى بالتفاصيل . فالتاريخ العالمي العام ما هو إلاّ صور لانهائية من الانقطاع والظهور ، تلعب فيه الصدفة والاتفاق دورهما الفاعل في إظهار صورته المربكة والمقلقة إلا أن هذا الظهور يبقى بحاجة إلى مصدر صيرورته . من هنا إستقى "شبنغلر " من "غوته " ت 1832، فكرة قوة الكمال الأول "الصورة الأولية " والمستندة إلى أن أساس وجود المادة يقوم على الحركة . وأن تعدد أنواع الحركة ، يفضي إلى حيوية المادة ، حيث الوجود بقوة حية إلى الأبد . وهكذا وجه نقده إلى التقسيمات التي وضعها المؤرخون الغربيون للتاريخ العام ، مشيراً إلى المركزية التي وضعوا أنفسهم فيه ، جاعلين من التواريخ البعيدة للحضارات السابقة مكاناً هامشياً ، لا يخلو من التبعية . هذا بالإضافة إلى النظرة المؤكدة على أن حركة التاريخ تسير باتجاه واحد قوامه استمرار التقدم . انطلاقاً من مبدأ المثل الأعلى . من هنا كانت نظرته الجديدة إلى التاريخ ، جاعلا من الحضارة الوحدة الأساسية فيه ، في حين اعتبر "الحضارة " بمثابة الكائن الحي( الإنسان ، الحيوان ، النبات ) وكان اعتقاده في ولادة الحضارة يرتبط بانفصال الروح عن الحالة الروحية الأولى . وأن موت الحضارة يرتبط بتحقيق الروح لجميع تمثلاتها في (126)اللغة والدين والفن والعلم والسياسة والمجتمع والثقافة ، لتعود الروح إلى الحالة الروحية الأولى .

واحد من الناس
واحد من الناس
كبار الزوار

بيانات العضو
تاريخ التسجيل : 11/01/2011
الجنسية : مصرى
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 2901

https://alkady.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى