تراثنا الأدبي أهمية خاصة من الناحية التربوية

يمثل تراثنا الأدبي أهمية خاصة من الناحية التربوية ، نظرا للطبيعة الحيوية التي يمثلها الأدب في المجتمع البشري عامة ، ولأن هذا التراث صدى لما يعمل في وجدان المجتمع العربي الإسلامي أيا كان موقعه ، وأيا كانت اتجاهاته ، فهو يؤدي دوره القيمي التربوي في بناء الإنسان .


لأن الغاية الأولى من الأدب هي الإنسان؛ فهو يمثل الجسور بين الماضي والحاضر لا سيما بعد الصدور عن الجوانب المضيئة لحضارتنا العريقة التي ارتكزت على قيم تربوية، ومعارف علمية؛ فالحضارة نتاج تراكمات معرفية تتابع الأجيال في بنائها وتشييدها، فتشكلت حضارة القيم أو قيم الحضارة بكل أنواعها.

ومن نماذج هذا الأدب بعض الوصايا التي ترددت حكما بليغة تنم عن رأي حصف، وفكر عميق، مشكلة نوعا من الأدب، سمي بأدب الوصايا، ومن أمثلة هذه الوصايا وصية: أمامه بنت الحارث لابنتها ليلة زفافها ترسم فيها معالم مستقبل ابنتها، وهي تستشرف حياتها المقبلة بآمال وجلة، قد يشوبها شيء من عدم وضوح الرؤية، مما يتطلب وصية تقربها من التأهيل الكافي، لخوض غمارها بثقة واطمئنان؛ فالوصية منبهة للعاقل، وتذكرة للغافل؛ هكذا استهلت أمامه بنت الحارث وصيتها لابنتها أم إياس، موجزة بعشر خصال، ومما قالت فيها: أي بنية.. إنك فارقت البيت الذي منه خرجت، وخلفت الغش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.

يا بنية: احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وسندا: الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنف فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود. والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وعياله. ولا تفشي سراً، ولا تعصي له أمراً. ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان ترحا، والاكتئاب عنده إن كان فرحا، وكوني أشد ما تكونين له إعظاما يكن أشد ما يكون لك إكراما.

واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت أو كرهت، والله يخير لك.

تبدوا هذه الوصية على الرغم من إيجازها ثرية بتجسيد بعض سمات الحياة الإنسانية بكونها قيماً وشمائل تربط الإنسان بعصره، وبيئته، ومحيطه. إذ لو توارت هذه القيم وهنت تلك الروابط والعلاقات، وذبل معنى الحياة، وأثرها في حياة الإنسان. كما كشفت الوصية عن مقدرة المرأة البدوية، الناطقة عن فطرة تامة على استجلاء الأبعاد النفسية للرجل، في إطار علاقته بالمرأة!! مما قد لا يفي به ما يكتب عن السعادة الزوجية في الكتابات المعاصرة!