تحديات المرأة امام العولمه
صفحة 1 من اصل 1
تحديات المرأة امام العولمه
تمــهيد
اجتاحت العصر الذي نعيشه موجة جديدة من الرموز والمفاهيم التي كونت بمجملها أطاراً عاما لما يسمى بالعولمة، ذلك النسق المتكامل الذي اخذ حيزا واسعا من الجدل الفكري والنظري سواء على الصعيد الأكاديمي أو الثقافي العام، وتطابق مع هذه المنظومة مجموعة من العمليات الاقتصادية والسياسية العملية التي فرضت نفسها على الحياة المعاصرة وأصبح من اللازم العيش في كنفها وممارسة القوانين التي تحكمها.
واختلف الباحثون والأكاديميون كل يتناول الموضوع بطريقته وبالأدوات التي يملكها فضلا عن الاتجاه الفكري الذي يؤمن به إلى تحليل هذه الظاهرة وشرح تداعياتها وتفسير معانيها ودلالاتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ووضع في هذا المجال العديد من التعاريف كان العديد منها تكراراً للأخر وهذه أشارة أو دلالة على البعد الإنساني للظاهرة حيث الاختلاف في معاني الظواهر والتباين طبقا للظروف والعوامل الموضوعية التي تحيط بالكاتب، ولكن من نقاط الاتفاق العام بين كل المنظرين أن من محاور التأثير الأساسية للعولمة هي المرأة والذي يشير إلى منظومة من المفردات التي تخص الحياة العامة للمرأة ككائن إنساني يتعاظم دورها العملي في الحياة العامة.
وأضافت العولمة منظومة ادوار جديدة على المرأة أن تلعبها لكي تمارس حقها في الحياة بل لكي تقوم بدور يحفظ لها نوع من الوجود الإنساني الفاعل.
وتشكل منظومة الأدوار هذه التي تفرضها العولمة على المرأة إلى مجموعة من التحديات تجد المرأة نفسها أمام القيام بها شاءت أم أبت لان الموضوع لم يعد موضوع خيارات بل هو قضية وجود، وسيحاول هذا الفصل إلقاء الضوء على أهم التحديات التي تواجه المرأة العراقية وعلى أساس الدور التاريخي الذي يجب أن تلعبه في الظروف والأوضاع التي تجلت بعد سقوط النظام السابق.
ويستند هذا البحث إلى الفرضية التالية(أن التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية).
ولدراسة هذه الفرضية ينقسم هذا الفصل إلى عدة مباحث:
المبحث الأول: (العولمة: مكوناتها وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية)
المبحث الثاني : (موقع المرأة من ظاهرة العولمة).
المبحث الثالث : (التحديات التي تواجه المرأة).
1- التحدي الثقافي.
2- التحدي الاقتصادي.
3- التحدي الاجتماعي.
4- التحدي السياسي.
الـمبحـث الأول
العــــولـــــمة
( مكوناتها وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية )
أولا :العولمة (GLOBALIZATION) المعنى والدلالة
تعددت المفاهيم التي تناولت العولمة كمفهوم حلّ في نهاية القرن العشرين بشكل غاية في القوة، فهي مرحلة جديدة في الرأسمالية (capitalism) وليس خارجها تحمل الكثير من سمات المراحل أو الأطوار التي سبقتها سواء منها طور الرأسمالية الليبرالية في مرحلة النشوء أو سمات الطور الإمبريالي في المرحلة الاحتكارية. وهذا ما يخلق تشويشاً كبيراً في تحديدها والموقف منها(1). ويبرز من هنا البعد الاقتصادي الذي يشير إلى علاقة العولمة بالايدولوجيا (الرأسمالية) باعتبارها مرحلة في السلم التاريخي للتطور الاقتصادي ، وإذا كان ذلك هو أشارة إلى موقف اليسار من ظاهرة العولمة فان اليمين العالمي له رأي آخر، فالعولمة وكما وردت في تعريف الموسوعة الأمريكية لعام 2004 هي:(2) تكامل ودمقرطة الثقافة العالمية والاقتصاد والبناء التحتي من خلال الاستثمارات الدولية والانتشار السريع لتقنيات المعلومات والاتصال وتأثير قوى السوق الحرة على الاقتصاديات الوطنية والإقليمية والدولية، وهنا يطغى البعد الثقافي– السياسي، على المفهوم باعتبار أن العولمة هي في احد جوانبها بعد دعائي لحركة الإدارة السياسية للعالم على أساس المفاهيم التي تحملها من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي هي الغطاء غير المرئي لإدارة العالم، وبذلك يدعو البعض إلى إعادة النظر في جملة من السياسات والمؤسسات لتوفير قواعد أكثر عدلا في مجال التجارة والاستثمار والتمويل والهجرة واحترام الحقوق والهويات الثقافية وتوفير فرص العمل علما أن العولمة الأكثر عدلا لن تقوم إلا على الديمقراطية كنظام كفيل على إدارة الاقتصاد بشكل يوفر الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والإدارة السياسية الحسنة، ويساهم في تفعيل قيام مجتمعا مدنيا يتمتع بالحرية. ولن تتحقق العدالة إلا بتعميم منافع العولمة على كل الناس وعلى حياتهم(3) على حد تعبير أصحاب هذا الرأي، ومن تلك الزاوية، أي من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، وكنتيجة لها فإن مفهومي الإمبريالية والعولمة يتطابقان بالكامل، أنهما مفهومان بالمطلق متساويان .
أما الأساس الذي تقوم عليه عملية العولمة فهو الصراع (conflict) التنافسي بين الاحتكارات المالية للبلدان الرأسمالية المتطورة، والتي تحاول في هذا الصراع وعن طريق استعمار البلدان الأقل تطورا ً، أن تضاعف من قوة رأسمالها الخاص وأصبحت هذه السمة جلية لا تحتاج إلى برهان وسط السيل العارم من العنف الذي يجتاح العالم(4).
و يُمْكِنُ أَنْ تعرف العولمة أيضا كتركيز العلاقاتِ الاجتماعية العالميةِ الذي يَرْبطُ الحقائقَ البعيدةَ بطريقة بحيث أنّ الشؤون المحلية مرتبطة بالأحداثِ التي توجد على بعد أميالٍ والعكس بالعكس(5). وهذا التصور غاية في القرب من المفهوم الشائع للعولمة وهو أكثر صور العولمة تمثيلا وواقعيةً .
ومع ضرورة عدم الانسياق وراء الأبعاد النظرية لتعريف العولمة التي(الأبعاد النظرية)تتسم بالشمول والاتساع فان الباحث يجد أن كل التعاريف الواردة(اطلع الباحث على ما يقارب50 تعريفا منهجيا وغير منهجي للعولمة) تركز على المعاني التالية :
1. المعنى السياسي: وينظر للعولمة باعتبارها أيديولوجيا ما بعد الحداثة ناتجة عن الانهيار السياسي والأيديولوجي(للشرق)، وتفوق طبيعي للفكر والسلوك الغربيين وخاصة في مجال الإدارة السياسية للمجتمعات والاستناد إلى النموذج الغربي في هذه العملية .
2. المعنى الاقتصادي: ويؤكد على أن العولمة هي مظهر من مظاهر القوة الاقتصادية للرأسمالية الحديثة وتطبيقا لمفاهيم مذهب الحرية الاقتصادية ومرحلة طبيعية في سلّم التطور ألتأريخي للاقتصاد الغربي.
3. المعنى الثقافي: وهو يؤكد على أن العولمة هي مجموعة من الرموز المعبرة عن نمط من الحياة المعاصرة ( ويشير مصطلح المعاصرة هنا إلى آخر ما توصل أليه إنتاج الحياة الغربية .
4. المعنى الاجتماعي: وهو أشارة إلى اعتبار العولمة نمط سلوكي ناتج عن التفاعل الحر في المجتمعات الإنسانية( الغربية خاصة ) .
وسيحاول الباحث التطرق إلى كل معنى من هذه المعاني باعتبارها من مظاهر العولمة الأساسية .
ثانيا: المظاهر العامة للعولمة ومكوناتها الأساسية
من الصعب الإلمام بكل المظاهر العامة والخاصة للعولمة ولكن يمكن الإشارة إلى بعض هذه المظاهر والتي تتميز بالتغيير المستمر وإعادة الكينونة مع كل يوم :
1. المكون الثقافي:(culture ingredient)
تشكل الثقافة كـ(مادة) والتثقيف كـ(عملية) احد المرتكزات الأساسية للفكر الغربي، وبمعنى أخر فان الثقافة احد الوسائل الرئيسية التي تستعمل في الغرب لتصدير السياسات بل أن التثقيف هو احد البنى الأساسية في النظريات التحليلية للبناء الاجتماعي للمجتمعات الغربية، على أساس اتصال الخبرة الإنسانية ، فتيار الخبرة متصل يؤدي كل جزء منه إلى الجزء الذي يليه ، ألا أن الخطورة تكمن في أن هذا الفكر يؤكد على أن معطيات الواقع لا تكون أجزاء من المعرفة الإنسانية ألا إذا أجريناها في الطريق المؤدية إلى تحقيق أغراضنا وبهذا يكون الفكر أداة لإعادة تكوين الوجود الخارجي (6).
ويشكل هذا المنطلق سندا فلسفيا في الفكر الغربي على أساس أن العلاقة بين المكونات الأساسية للمجتمع الإنساني هي علاقة تتسم بالانسجام والتكامل والتفاعل الوظيفي)7)، محتواه وميدانه الأساسي هو الثقافة. وهنا يجدر القول أن المعنى هذا هو أشارة إلى إن الثقافة هي الوسيلة والغاية في نفس الوقت.
وأكدت كافة الدراسات والنظريات الغربية ذات العلاقة أن التثقيف هو العامل الحاسم في التغيير ولذلك يتضح السبب وراء الاهتمام الكبير الذي توليه العقيدة الغربية للتأثير عن طريق التثقيف و برزت العديد من المفاهيم التي تشير إلى العمليات الثقافية للغرب في مناطق نفوذ ومن هذه المصطلحات:الغزو الثقافي،الاختراق الثقافي،الهيمنة الثقافية. وهذا يفسر الاستخدام الهائل لأدوات التثقيف الجماهيري أو الاتصال الجماهيري(mass communication).
ويحدد ما سبق احد المنطلقات التي تعتمدها العولمة باعتبارها منتج في أعلى مواصفاته غربيا وصنيعة التطور التقني والعلمي الذي أحدثته الثقافة الغربية والذي جعل من العولمة موجة ثقافية غاية في الاتساع والشمول والتغيير .ويجب التأكيد على أن مفهوم (الغرب) لا يقتصر على ماهو أمريكي وان كان هو المهيمن في الوقت الحاضر ألا أن المصطلح يشمل الفكر الأوربي الذي بدأ يبحث له هو الآخر عن دور في العولمة المعاصرة بعد أن كان في مرحلة من المراحل الأساس الذي انطلق منه الفكر الأمريكي المعاصر(.
ويجب التفريق هنا بين الثقافة التي يقصد بها التعريف الشائع من أنها الكل المكون من العادات والتقاليد والفنون والآداب وما إلى ذلك من أنواع الإنتاج الإنساني وبين الثقافة التي تسمى(بالثقافة الشعبية وهي، القِيَم التي تَجيءُ مِنْ الإعلان، وصناعة الترفيهَ، وأجهزة الإعلام، وأيقونات الأسلوبِ وتَستهدفُ الناسِ العاديينِ في المجتمعِ. وغالبا ما تكون هذه القِيَمِ بارزة ومختلفة ومتميزة عن تلك المُمزَوّجةِ بالمؤسساتِ الدينيةِ أو التربويةِ أو السياسيةِ الأكثر تقليديةِِ (9). والغريب أن هذا التعريف الذي ورد في الموسوعة الأمريكية والذي يعبر عن المعنى الفلسفي والموقف من العملية الثقافية وخاصة تلك التي تعنى بالتوجه إلى العالم الآخر. ويعبر بشكل واضح عن هيمنة المعاني والدلالات الهامشية والمحتوى السطحي للرسائل الثقافية التي تحملها لنا اخطر أنماط الاتصال اتساعا وقدرة على تصدير الثقافة وهي وسائل الإعلام ،والتي هي بدورها أعمدة العولمة الرئيسية، وتحاول المؤسسات ذات العلاقة المباشرة مع صناعة الفكر العولمي إلى التضمين الواسع للرموز أو بالأحرى الترميز العالي لكل المنتجات المعاصرة بما فيها الإنسان والتكنولوجيا والصناعات الأخرى، وصناعة تلك الرموز بالشكل الذي يعطيها قوة كبيرة في التأثير وبرزت فنون التصغير(المكروتكنلوجياmicro) والعالم الخالي كآخر صرعات الرمزية العولمية، وصناعة النموذج الثقافي مثل (الهوليوديةHollywood) ورموزها العالمية والأكلات السريعة والجنس ...الخ .
ويشير مفهوم صناعة الرموز بحد ذاته إلى اغرب ظاهرة تشهدها الإنسانية وهي وجود خط إنتاجي تتحول في مساراته المعلومات والمعارف البشرية إلى سلع رمزية مصنعة. وتطور مفهوم صناعة الرموز إلى دلالات اخطر بكثير حيث تقوم أنظمة إنتاج العولمة بالتحكم بالعلم من خلال إدارة مناهجه و تقنياته وميزانياته والطلب الاجتماعي عليه، وإدارة سوق العقول التي تنتج المعلومات والمعارف لصالح منظومة عالمية واحدة تسيطر على العالم سيطرة لا تقتصر على العلم وحده، وإن كانت تستغله في سيطرتها على كل شيء. هذا يعني، فيما يعنيه، إدارة العلم بهدف إنتاج معلومات وتقانات تخدم مبدأ السيطرة. وهنا يجب تجنب مطب الخلط المحتمل في مفهوم السيطرة، فالمقصود بالسيطرة، هنا، هو سيطرة المنظومة ذاتها، وليس سيطرة أنظمة سياسية معينة أو دول محددة، وإن كان بعضها يلعب اليوم دورا رئيسا في صناعة منظومة العولمة. أما أن يكون هذا البلد أو ذاك مركزا لإنتاج المعلومات والقوة فذلك لا يعني أن يتحدد تأثره بمنظومة العولمة عكسا بإنتاجه، بل قد يعني العكس، على أن التأثر كمقولة قيمة يتحدد بالمصلحة. وهكذا يكون على المؤسسات العلمية أن تسعى، من خلال وجود منظومة علمية حاضنة ومنظومة سياسية داعمة، لأن يكون التأثر إيجابيا. أمّا حين لا تتحقق هذه المنظومة أو تلك فيصعب الحديث عن تأثر إيجابي(10).
2. المكون الاقتصادي (economic ingredient)
يعد المكون الاقتصادي من المكونات الجوهرية للعولمة ومنطلق الكثير من المنظرين إلى تحليل ظاهرة العولمة ومزاياها المؤثرة .(11)
إن جوهر العولمة الاقتصادية يكمن في التخلي عن السياسة الجمركية الوطنية(لناحية فرض التعريفات الجمركية و الكوتا) و كذلك السياسة الوطنية في مجال النقد(أي تحديد سعر الصرف بالنسبة للعملات). و كنتيجة لذلك تحرم الدولة الوطنية نفسها من أدوات التدخل و إمكانية المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي داخل البلد لصالح مختلف المنظمات الدولية (بشكل خاص، منظمة التجارة العالمية)، الغير خاضعة للمراقبة من قبل الدولة الوطنية، والتي (أي المنظمات الدولية) تقوم بتنفيذ رغبات النخب الاقتصادية والاجتماعية و العرقية، عدا عن أنها تقوم بدور المعلف بالنسبة للبيروقراطيين العالميين الذين لا يتبدلون عملياً وهم لا يتمتعون بالمسؤولية .
وتستند الرؤية الاقتصادية للعولمة من جوانبها التطبيقية والتي تمكن الرأي العام أن يلمسها إلى المضامين التالية :
1. حرية انتقال راس المال بين الدول .
2. حرية انتقال السلع والخدمات .
3. حرية انتقال الأفراد .
4. حرية عمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
5. تعزيز العمليات الأنفة الذكر وفق مواصفات خاصة تتماشى مع تحقيق اكبر قدر من الربح وان كان ذلك يؤدي إلى استخدام أنماط من القوة ومنها القوة العسكرية.
6. تشكيل تكتلات اقتصادية، مثل النافتا(لدول أمريكا الشمالية والمكسيك). وتكتل المحيط الهادي .
7. السيطرة على الأسواق العالمية، أو بشكل أدق على الجزء الأساسي منها، مثل احتكار السوق الصيني(عبر التفاهم مع الدولة الصينية) وأسواق جنوب شرق أسيا (وعبر إعطاء دور محدد لليابان فيه) وأسواق أميركا الوسطى واللاتينية،والشرق الأوسط، وأفريقيا،(وربما روسيا والدول السوفيتية السابقة). وفي هذا الوضع تحصل ألمانيا على أسواق أوروبا الشرقية
8. إعطاء صندوق النقد والبنك الدوليين دوراً أكبر في تحقيق السيطرة، عبر ربط القروض بشروط أقسى، تنطلق من الالتزام بسياسات الشركات الاحتكارية متعدية الجنسيات .
9. تسخير الأمم المتحدة كشكل عالمي، لكي يكون "غطاءً" شكلياً، لدور الولايات المتحدة السياسي والعسكري والاقتصادي.
10. السيطرة المباشرة على المواد الأولية، وخصوصاً النفط (حيث ان حدود الأمن القومي الأميركي هي حدود النفط، كما بات يُعلن).
11. وهي بالأساس أداة فرض القوانين التي تقررها الشـركات الاحتكاريـة لـ "تشغيل" الاقتصاد العالمي(12) .
ولقد أثبتت الدراسات أن الفكر الاقتصادي العالمي وفي أعظم النظريات التي أسست له كالماركسية ورواد الفكر الغربي أن الصراع هو طريق الهيمنة الوحيد الذي يجب أن تتوافق وتنسجم الإمكانات الدولية في أطار تحقيق غاياته الأساسية ،هذا الصراع هو أساس الانهيار الذي سيمهد لبروز مظاهر اقتصادية أكثر عالمية وأكثر توازنا(13).
3. المكون الاجتماعي(social ingredient )
البعد أو المرتكز الاجتماعي الأساس للعولمة ينبع من العلاقة بين الإنسان وبين منتجاته وهي علاقة غاية في العمق والتجذر وتتسم مرة بالإيجاب ومرة أخرى بالسلب طبقا لطبيعة هذا الإنتاج واتجاهات استهلاكه ونتائجه المحتملة . ويتجه البعد الاجتماعي للبروز في حالة البحث في النتائج المحتملة لأثر العولمة في البناء الاجتماعي للمجتمعات الإنسانية والذي يتجلى في الصورة التالية :
SHAPE \* MERGEFORMAT الأنساق الاجتماعية
أنظمة الضبط الاجتماعي
انماط السلوك
المكانات
الأدوار
الجماعات
الأفراد
البناء الاجتماعي
نلاحظ أن كل مكون من المكونات السابقة في الشكل يرتبط بعلاقة تفاعلية مع المكون الآخر والعلاقة التفاعلية هي علاقة انسجام في اغلب النظريات التي عالجت البناء الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية (14).
وتحاول العولمة وأطرافها المؤثرة استخدام منهجية في التأثير الاجتماعي من خلال أعادة صياغة نمط العلاقات وأسلوب التفاعل بين مكونات المجتمع وعناصره الأساسية، وإذا كانت السياسة الإمبريالية للرأسمالية عبارة عن السياسة الاقتصادية للصفوة المالية الحاكمة في البلدان الرأسمالية المتطورة والتي تهدف إلى’’التهام‘‘الرساميل الوطنية والإخضاع الاقتصادي لاقتصاديات البلدان النامية. هذا بدوره يؤدي إلى تدمير الصناعة الوطنية والقطاع الزراعي لتلك البلدان،إلى نهب ثرواتها الطبيعية،الاستغلال المزدوج، وبالتالي إلى الانحطاط الاجتماعي والموات الجماعي للشغيلة الفقراء. من هنا تبرز طبيعة المكونات الاجتماعية للعولمة.
من جهة أخرى فإن العولمة تقوم في أساسها على العنف، الذي يضمن من خلال تخلي الدولة النامية عن سيادتها الاقتصادية التفوق والهيمنة للشركات الغربية على الشركات الوطنية في الدول النامية. وكرد فعل على ذلك يتعمق الصراع بين الدول النامية أو المتخلفة و بين الدول المتطورة، والذي بدوره يؤدي إلى نشوء حالة ثورية وإلى حدوث حروب، وربما إلى احتمال استخدام السلاح النووي، وهذا بدوره يشكل خطراً على الحياة البشرية في الأرض ككل وهي أيضا مخاطر تؤدي بحد ذاتها إلى تغيرات في حياة البشرية خاصة على الصعيد الاجتماعي ومكوناته والعناصر المؤثرة فيه. وقد عرف العقد الأخير من القرن العشرين نشوء حركات اجتماعية من نمط جديد انتشرت بسرعة كبيرة على الصعيد العالمي وقد عرفت جميعا وبغض النظر عن الاسم الذي تطلقه على نفسها بالحركات المناهضة للعولمة(15). لقد كانت بداية العمل المشترك لهذه الحركات الدعوة التي أطلقها المنتدى العالمي للبدائل من اجل ’’دافوس مضاد‘‘ انعقد مؤتمره الأول في مدينة دافوس نفسها في يناير 1999.
إن نجاح ’’دافوس المضاد‘‘ شجع على حضور مئات الحركات الاجتماعية إلى مدينة سياتل عام 1999 حيث كانت منظمة التجارة العالمية تعقد اجتماعها بحضور ممثلين على المستوى الوزاري لجميع دول العالم تقريباً.إن المواجهة الناجحة التي خاضتها هذه الحركات الاجتماعية في مواجهة المجتمعين وإعلان رئيسة المؤتمر ممثلة الحكومة الأمريكية ووزيرة التجارة فشل المؤتمر شكل بداية المواجهة التي نشهدها اليوم ضد السياسية الليبرالية الجديدة ونقطة الانطلاق لحركة اجتماعية عالمية ذات طابع أممي وصفت من قبل بعض المعلقين بعد تظاهرة الملايين العشرة التي انطلقت في 15 شباط(فبراير) ضد الحرب على العراق بأنها القوة العظمى الجديدة في مواجهة القوة الأمريكية والبحث عن البدائل للمشكلات التي تسببها العولمة الرأسمالية.
وإذا كان تعبيرَ العولمةُ يُشيرُ إلى الترابطِ المتزايدِ للأممِ والناسِ حول العالمِ من خلال التجارةِ، ألاستثمار، السفر، الثقافة الشعبية، وأشكال أخرى مِنْ التفاعلِ.فان هذا الترابط يشير بشكل واضح إلى نمط جديد من العلاقات الاجتماعية الدولية. وقد بدى البعد الاجتماعي طاغيا أيضا في بعض التعاريف كذاك الذي يؤكد أن العولمة هي التفاعل الشامل بين الناسِ و الواسع الانتشار، بالإضافة إلى السفرِ على المسافاتِ الواسعةِ عبر مناطقِ العالمِ(17) ونخلص إلى أن المكون الاجتماعي من التعقيد إلى حد تأثيره وتأثره بكل المكونات السابقة.
4. المكون السياسي (politic ingredient)
§ المكون السياسي هو الأداة التي تمارس من خلالها العولمة دورها على الساحة الدولية. وجاءت العولمة بعدد من القضايا السياسية لتضعها في سلّم أولويات التفاعل في العلاقات الدولية من ثم أصبحت أداة من أدوات الخطاب التي تستخدمها العولمة و هذه الأولويات.
§ نظام الحكم (محاولة التأكيد على مفهوم جديد لنظام الحكم على الصعيد الوطني) مما يعني فرض تصور جديد لهذا النظام وبخصائص(حديثة) يجب تطبيقها في العالم.
§ العلاقات الدولية (التأكيد على نمط من العلاقات الدولية قائما على أساس الانفتاح وتحكم مجموعة الأقوياء في إدارة العالم من خلال منظمات مثل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي).
§ حقوق الإنسان(بروز مفهوم حقوق الإنسان والديمقراطية ومحاربة الإرهاب من خلال العمل الجماعي الدولي والتأكيد على خصائص معينة لعلاقة الدولة بمكوناتها الوطنية تستند هذه العلاقة إلى رقابة دولية).
دراسة لـ’’مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن‘‘ تتوقع أن يتحول الشرق الأوسط، بتحديده الأوسع، إلى القضية الرئيسية للعلاقات ’’عبر الأطلسية‘‘ خلال هذه السنة. ولا يضع التقرير توقعه هذا في أطار الخلاف الذي شهده هذا العام حول الحرب في العراق، وإنما باعتبار أن الشرق الأوسط ’’الأكبر‘‘ سيكون بالفعل ساحة "المصلحة الإستراتيجية"، ليس للولايات المتحدة وحدها وإنما لأوروبا أيضا. وبهذا المعنى تكون المسؤولية عن ’’الشرق الأوسط الأكبر‘‘ غربية وليست أوروبية، أما الميدان الآخر للتوقعات المستقبلية فيتناول المزيج المتفجر للنمو البطيء الذي تشهده دول الشرق الأوسط مع التضخم السكاني الذي يتابعه التقرير على مدى خمسين عاماً مقبلة، ليخلص إلى أن مشكلة العلاقات الدولية المقبلة ستبقى أسلامية، أي ستبقى مشكلة مع ظاهرة الإرهاب(18). ومما أضفى تنوعا ومضامين جديدة للبعد السياسي للعولمة هو ذلك الصراع الجديد بين الأمركة والعولمة و تنامي المشاعر الوطنية الأمريكية وازدياد الميل لتعميم النموذج الثقافي ونمط الحياة الأمريكية في العالم، على حساب مشاعر ’’العولمة‘‘ التي ترتكز على التعددية، التنوع والروح الأممية ونمو النزعة العسكرية والميل لاستخدام القوة والحرب الاستباقية، لاسيما بعد زلزال 11سبتمبر(2001) للتعويض عما حصل ووجود تيار ’’أيدلوجي‘‘، هو تيار ’’المحافظون الجدد‘‘، الذي يتبنى موقفا مفاده أنه ثمة دور دولي (رسولي) للولايات المتحدة عليها القيام به، لما تتمتع به من إمكانيات ووسائل القوة، لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر، وإصلاح العالم وبناؤه على شاكلة النموذج الأمريكي، أو بما يتلاءم والمصالح الأمريكية، وذلك للتوفيق بين المثل الأمريكية والقوة الأمريكية .
وان كان الحديث عن المرأة ذو أبعاد خاصة ألا أن الباحث وجد من المهم الإشارة إلى المكونات الأساسية والكبرى للعولمة من اجل توضيح الصورة أمام المرأة باعتبار أنها عنصر مهم على الساحة الدولية ولابد لها لكي تمارس دورها الصحيح فان عليها استيعاب الحقائق الكبرى والأساسية في العالم بعيدا عن المعالجات التقليدية والذي يحاول قصر دورها على الاهتمام بقضايا الأنوثة ومن هذا المنطلق ساق الباحث المكونات الأساسية للعولمة والذي خلصت إلى أنها متنوعة ومتطورة بحسب الاهتمامات والحاجات الإنسانية التي تتطور بشكل كبير .
الـمبحـث الثاني
موقع المرأة من ظاهرة العولمة
المطلب الأول
المرأة في أدوات العولمة
المرأة مكون اجتماعي وثقافي ومنظومة من المتغيرات التي تحكم حياة الجنس البشري في احد جوانبه وليس هذا القول تعقيدا بل هو منهجي وأثبتت الدراسات أن هذا النمط من التحليل أساسي لفهم العملية التي بمقتضاها يتكون ويتفاعل هذا النسق مع الأنساق المعاصرة له .(19) بدت أدوات العولمة قادرة على إعادة صياغة المعارف والمعلومات التي يمتلكها البشر، ومن ثم في المرحلة التالية التأثير في الاتجاهات والمواقف التي يتبناها البشر من قضية ما وفي المرحلة اللاحقة التأثير في السلوك وهذه تشكل بمجملها مراحل التغيير في أي قضية أو ظاهرة اجتماعية وليس هذا إلا النتيجة الطبيعية والنهائية لعمل العولمة باعتبارها أحد أهم مصادر المعلومات والمعارف ومنتجة لكم هائل من المعلومات وبغض النظر عن جوهر هذه المعلومات والمعنى والدلالة التي تحملها إلا أنها مجموعة من الصور عن العالم والوجود والحوادث التي تحدث هنا وهناك.وجرى شبه اتفاق كامل بين المنظرين والباحثين والدارسين لشان المعلومات ذات المنشأ العولمي أنها تتميز بما يلي:
1.أفقية الاتجاه بمعنى أنها تتعامل بسطحية مع الموضوعات والحوادث قيد النقل.
2. السلبية العالية ( التـي علــى الحــوادث السلبية والمشكلات التي يحدث نقلها اكبر قدر من الإثارة والتسويق الدعائي والسياسي والاقتصادي .
3. أحادية المصدر .
4. انحياز إلى المرجعية الفكرية للمصدر .
5. التوظيف العالي والدقيق للشكل والمضمون باتجاه تحقيق غايات عالمية .
6. يناء علاقات مع أطراف الصراع الحضاري المعاصر .
وانطلاقا من المؤشرات السابقة فقد أخذت المرأة موقعا مهماً من ظاهرة العولمة وذلك على أساس الحقائق التالية :
§ الاستخدام الواسع للخصائص( الجسدية والمعنوية) للمرأة في الثـقافة ورموز التوريد الثقــافي مثل : الإعلان (advertisement) والدعايــة (propaganda)والحرب النفسية والدعوة(أنتاجا وتسويقا واستهلاكا)(20)
§ إدخال العنصر النسوي في العملية الإنتاجية(العمالة) باعتبارها احد عناصر العمل الأساسية (21) .
§ التسويق الغربي لاعتبار المرأة احد العناصر الأساسية في بناء القوة السياسية والعسكرية ويلاحظ ذلك من خلال أبراز دور المرأة في الانتخابات الرئاسية والنيابية وإظهار صورة المرأة العسكرية المحاربة في الجيوش الغربية (22)
§ بدت المرأة قضية جوهرية من قضايا العلاقات الدولية وخاصة على الصعيد الاجتماعي ومؤتمرات وقمم المرأة ما هي ألا تطبيق واضح لهذه الحقيقة(23).
إذاً، فقد حولت العولمة العالم إلى مصنع من نوع خاص وسوق لكل ما يمكن شراؤه أولا يمكن واختارت للمرأة دور الوسيط بينهما كمروّج ،ليس من خلال إمكاناتها الفكرية أو قدراتها المهنية، لكن من خلال توظيف جسدها لضمان التصاعد المستمر للرغبات الاستهلاكية بوساطة الترويج للسلع والمنتجات بتحويل الجسد الأنثوي إلى وحدة اقتصادية تعمل على تعظيم الربح وجلب المزيد من الفائدة، نازعة بذلك الصفة الإنسانية عن هذا الكائن من خلال تحديد المضمون الأخلاقي لوظيفة المرأة، فقبلت وظائف جديدة كانت تعتبر في الماضي مشينة وتغيرت مفاهيم عدة وليس بالضرورة إيجابيا طبعا إلى مفاهيم مناقضة لها تماما فأصبحت المرأة تعرف في كثير من الأحيان والمجالات من خلال حدود الجسد وما يوفره من امتيازات. فهل المرأة العربية هي المسئولة هنا عن هذا المصير أم هي ضحية لتدافعات فرضتها تلك المسافة الفاصلة بين الغالب والمغلوب وعوامل الضعف والقوة بين دول الغرب الرأسمالي وبقية دول العالم.فكيف يرسم هذا النظام شكل الإنسان الجديد ؟ وكيف سترى المرأة مكانا فيه لكيانها الإنساني لا الغريزي؟
لنترك نظرياتنا جانبا وننظر إلى الأرقام والنسب الناتجة عن دراسات اليونسكو وتقرير التنمية البشرية لهذا العام والتي تقول أن نسبة الأمية قد ازدادت في أوساط النساء، والفقر كذلك، ففي العالم مليار و300 مليون فقير مدقع، منهم 900 مليون امرأة أي ما يعادل 70% أي ما يعادل نصف سكان العالم ويعملن ثلثي ساعات العمل ويأخذن عشر الأجور فقط التي تدفع في العالم وواحد على مئة من ثروة لعالم(24).
بعد هذا الإطلاع البسيط على هذه المعطيات يتبين لنا كيف تستغل المرأة في ظل البطالة والنزاعات وحاجتها المادية الملحة، ويستغل جسدها في الترويج للسلع، للنموذج المؤمرك فيروج للجسد الأنثوي النحيل (الباربي) وتروج مساحيق هذا النموذج وأزياؤه وحتى الأدوية التي توصل الأخريات إليه. و تسوق العمليات التجميلية له. كل هذا مــن أجــل الربــح الوفير الممكن أن تجنيه هـذه المصانـــع العابرة للقارات من خلال صناعة الجمال. فالمرأة اليوم تشكل وحدة اقتصادية، مثل الرجل تماما، والطفل أيضا أمسى وحدة اقتصادية بالنسبة للشركات بعيدا عن مصلحته بالطبع و إنما من أجل كل ما يحقق المزيد من الأرباح للشركات الكبيرة (المعولمة) فالمال هو المهم والعالم سوبر ماركت كبير كل شيء فيه قابل لأن يكون للبيع وبالتالي تكون المرأة جزءاً من هذا النظام يتم استغلاله في أبشع الصور استصغارا للكائن البشري(25).
ففي عصر العولمة يصبح الجسد جزءاً من ثقافة هذا العصر و يصبح الجسد جزءاً من ثقافة الصورة وأخطر ما جاء في ثقافة الصورة هو حضور الجسد في العالم كله؛ وتداوله بوصفه سلعة استهلاكية، ومع تقدم فنون الإعلان والتجميل ومسابقات ملكات الجمال تقدمت فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام بالمتع على اختلاف أنواعها، وأصبح رجال الفن والإعلان والسياسة وغيرهم يقدمون باعتبارهم أجسادا جميلة قبل أي اعتبار آخر ولم يعد جمال الجسد الأنثوي مرتبطا به مقدار الإثارة التي تتوفر في هذا الجسد أو ذاك.وهنا تدخلت الثورة التقنية لتحويل الجمال إلى عمل وصناعة ولذلك نشاهد أن الأنظمة الغذائية انتعشت وصناعة الأغذية الخاصة انتعشت أيضا، والرياضة الموجهة ونشاهد أيضا أنه جرى تعميم النموذج المثالي لجسد المرأة ومقاييسه ومعاييره وما يجب أن يظهر منه وما يجب أن يخفى، عبر مئات الآلاف من الصور وعروض الأزياء والأفلام وأغلفة المجلات وأصبح أخطر ما في الأمر أن جسد الأنثى أصبح مثالا يمكن أن يتحول إلى حقيقة، وليس من خلال تطبيق نظام غذائي بل من خلال الجراحات المكلفة والتي تختص بها مراكز طبية معينة ومشهورة عبر العالم دون سواها وأصبح هذا المفهوم ضمن حرية تغيير الجسد ففي عام 1998 شهدت الولايات المتحدة إجراء ما يقارب من ثلاثة ملايين عملية تجميلية لا تشمل التشوهات الخلقية. أصبح الجسد وليس المؤهلات الأخرى هو الطريق إلى الوظيفة (مزن مرشد: الحوار المتمدن، شبكة الانترنت، الحوار المتمدن،2003).ومن كل ما تقدم نلاحظ إن موقع المرأة من ظاهرة العولمة موقعا مركزيا ، فهو أداة ووسيلة في عين الوقت.
المطلب الثاني
تجليات المرأة العراقية في مناخ العولمة
لا ينفك مصير المرأة العربية أو العراقية على وجه الخصوص عن المصير الذي يمكن أن تلاقيه المرأة في أي مكان آخر في العالم وذلك لارتباط القضية والقدرة الهائلة للتحدي الذي يمكن أن تصل تأثيراته إلى أي مكان في العالم وبنفس القوة .
وإذا بدأنا من التراث فانه من المتعذر على المرء استجلاء صورة المرأة العربية الاجتماعية فيه، ولا سيما أن هذه الصورة جاءت مبهمة ومشوشة. فإذا استثنينا الدراسات الدينية، المحددة للحلال والحرام، يبقى نصيب المرأة من الدراسات العلمية قليلاً. وحتى هذا القليل لم ينصفها لعدة أسباب. وأولها أن هذه الدراسات انعكاس موضوعي للنسق القيمي العام، ثانيها أنها تناولت المرأة من الجانب الفيزيولوجي لا الإنساني، وثالثها أن النظرة التقليدية اعتبرت التفكير في وضع المرأة، أو الكتابة عنها أمراً مكروهاً. وتجسيداً لهذه الرؤية المثالية، فإن الصورة الاجتماعية للمرأة تتجسد في نمطين اجتماعيين مثاليين، فهي إما امرأة صالحة ومثالية، فتكون في هذه الحالة محجوبة عن المجتمع، وإما غانية وغاوية، أما المرأة الإنسانية فلا وجود لها في المنظور التقليدي.
ولعل ما خلفه الأدب النسائي من الأسفار، وعلى الرغم من ندرته، يساعدنا على استجلاء صورة المرأة الاجتماعية(26).
إن أول مآخذنا على هذا الأدب هو أن المرأة ظلت دائماً موضوعاً للشعر والأدب والحب العذري، ولا أثر يذكر لها في الدراسات الاجتماعية. إنها موضوع الغزل لا العلم، والعاطفة لا العقل، وصورتها المتناثرة في ثنايا كتب الشعر والأدب توحي بأنها خلقت قاصرة، عاجزة، وأن قصورها كامن في طبيعتها، لا يصح وجودها إلا بالرجل، إنها ملحق به، ومن متاعه. ترى الثقافة التقليدية في المرأة تارةً لغزاً، وكائناً عجيباً، وأخرى رمزاً للغواية والإغراء، وهي رمز للشرف والعرض، وتلك قيم فوق زمانية وفوق مكانية. ولما كانت المرأة رمزاً لشرف الجماعة، فإن الرجال يحرسون السلوك الأخلاقي للنساء، ويخضعونه لرقابتهم..(27).
وما دامت أجزاء من الثقافة التقليدية، بما فيها الثقافة الشعبية بوصفها تعبيراً عن (اللاشعور الجمعي) لا تعتبر المرأة إنساناً، بل قاصراً، وجنساً، فإنها لا يمكن أن تكون مصدراً للأخلاق. وتنعكس هذه النظرة على توزيع الأدوار في (الأسرة)، الرجل مركز القوة والثقل، بمقدار ما تتحول المرأة إلى مركز الضعف والمهانة. فكل يلعب دوره المقرر له، وكأنه لم يخلق إلا له، أو كأن هذا الدور جزء من طبيعته. الجنس يحدد الطبع، وهذه هي النظرة التي تبنتها مدرسة فرويد.. وبفضل التربية والتعليم والعمل بدأت هذه الصورة الاجتماعية للمرأة في نظام القيم التقليدي تفقد بعضاً من أهميتها، فالتعليم الإلزامي خلق جيلاً جديداً، أكثر ثقافة من الأهل، وساهم في الوقت نفسه في تعميق الهوة داخل الأسرة، وفي تغيير العلاقات والأدوار الاجتماعية.
وعليه، إن نظام القيم التقليدي يتعارض مع نظام القيم العصري في الوظائف والأدوار. فإذا كانت حقوق المرأة وواجباتها واضحة في المجتمع التقليدي، فقد اعتراها اليــوم الكثيــر من الفوضى، الأمر الذي جعــل المرأة تقوم بعدة أدوار، فإضافة إلى أعمالها التقليدية كزوجة وربة بيت وأم، إنها اليوم الموظفة والمحامية، وهذا يثقل كاهلها ويجعلها تقوم بأدوار متناقضة ومتعددة في الوقت ذاته.تخوض المرأة العربية، إذاً، صراعاً متعدد الجوانب. فهناك الصراع بين القيم الموروثة والقيم الجديدة التي تعلي من شأنها، وهناك صراع الأدوار داخل الأسرة أيضاً، بحيث تسعى المرأة إلى إعادة توزيع الأدوار بعد مشاركتها في العمل، بينما يتمسك الرجال بمكاسبهم التقليدية(28) .
وأكدت دراسات أخرى أن هذه النظرة لا يسلم منها أي مجتمع من المجتمعات العربية(29) حيث أصبح انعدام المساواة بين الجنسين، أي التمييز ضد النساء والبنات في الحصول على الفرص والضمانات، مسألة هامة وواضحة في اقتصاديات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(30).
واستثمرت نتائج هذا الوضع في تشويه صورة المرأة إلى حد ربطها بموضوع الإرهاب وأكد المصدر ذاته أن وضع المرأة في المنطقة يتميز بما يلي:
1. مركزية العائلة .
2. دور الرجل كمعيل أساسي للأسرة .
3. قيود الاختلاط مع ارتباط شرف العائلة بسمعة المرأة.
4. ميل منظومة القوانين إلى صالح الرجل .
وتشير مجمل الحقائق السابقة إلى أن موقع المرأة في الحياة العربية (المجتمع العراقي جزء منه) تحتاج إلى تأمل كبير من المرأة لكي تعيد استكشاف نفسها الآن .
الـمبحـث الثالث
التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة
(رحم الله امرأ عرف نفسه )..
وان كان هذا المدخل غير منهجي في هذا المبحث فأنني أصر على استخدامه مدخلا لوصف التحدي الأكبر الذي تواجهه المرأة والمتعلق أولا بفهم ألذات والمعطيات التي تشخص المرأة من خلالها طبيعتها النفسية والشخصية ولذلك فأنت لكي تعمل باتجاه معين يجب أدراك ألذات أولا لكي تتكامل المعادلة التي تشكل نمط التعامل والتفاعل مع العالم الخارجي وذلك للخلاص من اعقد الإشكاليات وهي إشكالية الاغتراب القادر على إلغاء الذات وتحويلها إلى ذات هامشية.
وطبقا للتسلسل المنهجي يمكن وضع سلم التحديات حسب أولوية الاهتمام بها من قبل المرأة كما يلي :
أولا: التحدي الثقافي
ويأتي في المقام الأول وهو تحد قائم على أساس ضرورة أن تدركه المرأة العربية عامة والعراقية بشكل خاص وتدرك المنظومة الثقافية التي حكمتها في الماضي والمنظومة الثقافية الجديدة، وتتعامل معها سواء منظومة الرموز اللغوية أم الصورية أم المنتجات الثقافية التي تتشكل كل يوم في أطار جديد مما يضع أمام المرأة ضرورة التشكل واستملاك وتعليم قابليات جديدة من المرونة والقدرة على إعادة التعامل مع المتغيرات بغض النظر عن الإمكانات الأساسية معها والابتعاد عن الثقافة النقدية العالية السلبية والتي تؤطر حركة المرأة بنوع من المعاني التجريدية غير العملية. والقدرة على الملاحقة يتطلب مهارات كبيرة وخاصة ربما غير موجودة في المرأة العربية والإسلامية – مثل الحرية في العمل- والتدريب العالي – والمؤهلات الفنية والمادية - بسبب العوامل التي سبق ذكرها .والمهمة الأساسية هي أعادة رسم الصورة الواقعية للمرأة سواء في الإطار الرمزي أم العملي ذلك لان الصورة السلبية للمرأة تاريخيا لا يمكن أن نرمي بها على أدوات معينة مثل الإعلام أم العولمة بل أن للقضية ربما أصول ومبررات واقعية يجب أن تستخدم المرأة مبدأ( الدعاية من خلال الحركة) لمعالجة الظاهرة العالمية المتمثلة بتركيز مفاهيم ثقافية معرفية . ومعالجات الطروحات التي تشكل جدلا واسعا على الصعيد العالمي مثل الحجاب والعمل والهجرة .
إن هذا الإعلام الذي بدأت تكرسه الفضائيات العربية، ومع أنه لا يمكن لأحد أن ينكر مزاياه، يعكس متناقضات المجتمع العربي، هذا المجتمع الذي لا يجيز للتلفزيون العراقي أن يُعلم بصدق ومصداقية فيدفع بالصّحاف إلى الإبداع الخطابي والبلاغي على "الجزيرة" و"أبو ظبي" و"العربية" وغيرها، هذا المجتمع الذي يعتبر المرأة إنسانا من الدرجة الثالثة لنراها تندفع إلى التألق عبر شاشات هذه الفضائيات وعلى ميدان المعركة(لاحظوا عدد المراسلات الحربيات والمقدمات الجميلات الرشيقات المتمدّنات). ويشمل الأمر التحدي التربوي الذي يحصن العقلية واليات انتقال العلم وخصائص المعرفة إلى الجيل اللاحق .
وربما انه في زمن التخلي السياسي تبقى الروح اليوتوبية ضرورة أكثر من أي زمن أخر. وذلك للمعانات التي سببتها الثقافة المادية السائدة التي تحاول تدمير الرموز الفكرية الروحية واليوتوبية التي عاش عليها الإنسان وعلى آمالها لفترة طويلة .
وربما صح القول أن دعوة المرأة إلى تحرير الرجل هي أجدى لها من المطالبة بتحريرها هي لان المرأة العربية واقعة أساسا تحت عقلية الرجل الشرقي الذي هو في الأساس يعاني من غبن تاريخي على الصعيد الثقافي والأصعدة الأخرى .
ثانيا: التحدي الاقتصادي
التحدي الاقتصادي هو التحدي البارز الذي يحمل سمات حركة التأريخ المعاصرة. ولطالما نرى الآن أن البعد الاقتصادي للتحديات التي تواجه المرأة العربية والعراقية نابع من أن العولمة ذاتها تركب موجة الاقتصاد إلى جانب أن هذا الأخير هو المحرك الأبرز في هذه الظاهرة التاريخية .
وإلى جانب التحديات الاقتصادية على الصعيد المحلي وهي تحديات تاريخية بدورها كالفقر وانخفاض مستوى التعليم وتردي المكانة الاجتماعية المستندة إلى البعد الاقتصادي فأن هناك منظومة من التحديات الاقتصادية للمرأة العربية والعراقية تتلخص فيما يلي:
§ تحديد ودراسة الطاقات التي تمتلكها المرأة العربية والاستفاضة في قياس هذه الطاقة ووضعها في إطارها الكمي .
§ دراسة اتجاهات استثمار هذه الطاقة وتحديد مجالات توزيعها واستهلاكها بعيدا عن ميادين هامشية وخيالية.
§ الدخول إلى ميادين الإنتاج العالية الجودة والهامة في أطار الاقتصاد العالمي لكي تتحول المرأة من سلعة إلى منتج تمتلك أسباب التأثير الاقتصادي وتكوين اللوبيات النسائية في عالم عربي يعاني من فقر اقتصادي تاريخي.
§ إعادة النظر بثلاثية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك التي تمارسها المرأة في البيئة العربية .
§ البحث في سبل الدخول إلى عالم التحديات التي تفرضها العولمة باعتبارها حركة في سلم التطور الاقتصادي العالمي.
§ التدريب وتقديم نماذج العمل التي تثبت أن المرأة قادرة على استيعاب حركة العمل والسوق والمفاهيم المرتبطة بها مثل تداول الأسهم والسندات وانتقال رأس المال والاندماج في مفهوم الشركات العابرة للقارات.
وإلى ذلك يجب التأكيد على أن هذه العمليات هي مورد بناء الذات العراقية أو العربية في جزءها المقابل للذات العالمية للمرأة.
ثالثا: التحدي الاجتماعي
التحدي الاجتماعي هو نتاج لتفاعل المرأة مع مفردات الحياة العامة . وبمستوى تعقيد هذه المفردات واتساعها مكانيا وزمانيا فان عملية التفاعل تأخذ سماتها واتجاهات تأثيرها الحالي والمستقبلي. ولطالما وجدت المرأة العربية والعراقية نفسها في بيئة اجتماعية لا تشجع على التفاعل القوي أو السريع وفي بيئة تتسم بحالة هي اقرب إلى الجمود منها إلى الحركة مما دفع النساء العربيات أما إلى الهجرة أو إلى الانكفاء على الذات والضمور مع الزمن.
ولكي تعالج هذه الظواهر لابد من مواجهة تحدي يتمثل في المحاور التالية :
§ أعادة بناء الروابط الفردية وبناء جماعات نسوية باستخدام التنظيم العالي للمؤسسات التي تحول الجهد الفردي النسوي إلى جهد جماعي.
§ تطوير آليات أداء الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها المرأة والبحث عن منظومة متطورة من الأدوار تتلاءم مع روح العصر والحاجات والطموحات المستقبلية واستبدال منظومة الأدوار التقليدية بأخرى أكثر حداثة .
§ توضيح وتعزيز المكانة الاجتماعية ( أبعادها ومضامينها ) التي تحوزها المرأة مكتسبة كانت أم موروثة وبالتوازي مع تطوير منظومة الأدوار .
§ الاستناد في العمليات السابقة إلى منظومة من أنظمة الضبط الرسمي وغير الرسمي والالتزام بتلك المنظومة باتجاه تحديد مقاييس ومعايير وقوانين تخص( العملية النسوية)إذا صح التعبير وبغض النظر عن الزمان والمكان وتوضيح العلاقة مع القيم والمعايير والأعراف والتقاليد والدين وبشكل يرسم مسارات السلوك الاجتماعي للمرأة بشكل واضح .والتي اشرنا على أصالتها في السلوك والتأثير.
§ السعي إلى تحديد نمط سلوكي خاص للمرأة العربية بعيدا عن أنماط السلوك الجاهزة التي تنشرها الحضارة الحديثة والتي تشوش على الأنماط السلوكية التي حددتها ظاهرة المرأة في تطورها التاريخي، علما إن التفاعل الطبيعي بين المكونات الأربعة السابقة سيحدد قطعا النمط السلوكي العام الذي سيظهر في التحليل الاجتماعي العلمي للحركة النسائية العربية .
§ أن مجموعة الأنماط السلوكية سيحدد النسق الاجتماعي للمرأة الذي يؤلّف بدوره النظام الاجتماعي وهذا سيكوّن بدوره البناء العام لمجتمع المرأة. والذي يفترض أن تكون له خصائص عالية التحديد.
ومن المهم أن نشير إلى أن الاغتراب هو المحصلة النهائية التي ستجنيها المرأة لأي تقصير في سلسلة التتابع السالفة الذكر وخاصة إذا لم يستند هذا التتابع إلى بعد أخلاقي (سيكوسوسيو ديناميكي)(نفسي-اجتماعي– حركي)عالي القدرة .
رابعا: التحدي السياسي
يشير هذا التحدي إلى مجمل الفعاليات التي تمارسها المرأة باعتبارها كائنا سياسيا. ويمكن تبرير وضع هذا التحدي في آخر القائمة للأسباب التالية:
§ إن المتغير السياسي هو حاصل أداء المتغيرات الثلاثة السابقة.
§ إن المتغير السياسي يأخذ دور القائد والمؤثر الحاسم والنتيجة النهائية للأنظمة الاجتماعية (social systems ) الأخرى .
§ إن المتغير السياسي أصبح أداة أساسية لتطبيق أو تحقيق الطروحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى للعولمة .
وإذاً وفي هذا الإطار على المرأة أن تتعامل مع التحديات التالية:
1. التفاعل مع أطروحة المجتمع المدني كفضاء أو حقل للنشاطية أو الكفاحية المنطلقة من الإيمان بقيم عالمية، وبوحدة المصير البشري، على الأقل بالنسبة لموضوعات أو قضايا حاسمة مثل السلام والعدالة والتنمية والبيئة وحقوق الإنسان.
2. التعامل مع القضايا التي تعتبر محور العلاقات الدولية المعاصرة سواءً السلمي أم الأكثر عنفا مثل الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقلال والإرهاب .
3. الانتقال إلى مرحلة المشاركة السياسية من مرحلة البحث عن الحقوق أو الأدوار ROLES.
4. محاولة طرح الفكر السياسي النسوي باعتباره مكملا للطرح السياسي العام في الأدبيات السياسية .
5. دعوة المرأة العربية خاصة إلى استخلاص النموذج السياسي باستلهام مبادئ الرسالة الإسلامية السمحاء.
أن العملية السياسية وبما أنها تحمل مضامين التحديات السابقة فأنها بذلك ستكون غاية في السرعة والتغير والتنوع .
ومن التطبيقات التي يمكن الإشارة أليها هنا هي تحديات الحرب والصراع المستمر داخل حدود بيئة المرأة العربية والعراقية والتي تعتبر أعلى مراحل التحديات التي يمكن أن تواجهها المرأة في زمن معين وهنا يكون التحدي ذو معايير حاسمة ربما تؤدي إلى فناء العالم الذي تعيش فيه هذه المرأة باعتبار أن الحرب هي نوع من أنواع الصراع البشري غالبا ما يؤدي إلى تدمير احد الطرفين أو القضاء علية أو هزيمته وتخليه عن مكونات ذاته التاريخية لصالح مكون العدو المنتصر.خاصة ونحن أمام عالم تغيرت فيه عوامل الصراع واتجاهاته بمجرد مهاجمة بنايتين أمريكيتين وتدميرهما.
نظرة مستقبلية
( صناعة النموذج)INDUSTRY OF THE MODEL
يجب أن لا يغيب عن الذهنية العراقية إمكان أن تكون العولمة أحدى المرتكزات أو الوسائل التي استخدمتها القوة الغربية وعلى رأسها الولايا
اجتاحت العصر الذي نعيشه موجة جديدة من الرموز والمفاهيم التي كونت بمجملها أطاراً عاما لما يسمى بالعولمة، ذلك النسق المتكامل الذي اخذ حيزا واسعا من الجدل الفكري والنظري سواء على الصعيد الأكاديمي أو الثقافي العام، وتطابق مع هذه المنظومة مجموعة من العمليات الاقتصادية والسياسية العملية التي فرضت نفسها على الحياة المعاصرة وأصبح من اللازم العيش في كنفها وممارسة القوانين التي تحكمها.
واختلف الباحثون والأكاديميون كل يتناول الموضوع بطريقته وبالأدوات التي يملكها فضلا عن الاتجاه الفكري الذي يؤمن به إلى تحليل هذه الظاهرة وشرح تداعياتها وتفسير معانيها ودلالاتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ووضع في هذا المجال العديد من التعاريف كان العديد منها تكراراً للأخر وهذه أشارة أو دلالة على البعد الإنساني للظاهرة حيث الاختلاف في معاني الظواهر والتباين طبقا للظروف والعوامل الموضوعية التي تحيط بالكاتب، ولكن من نقاط الاتفاق العام بين كل المنظرين أن من محاور التأثير الأساسية للعولمة هي المرأة والذي يشير إلى منظومة من المفردات التي تخص الحياة العامة للمرأة ككائن إنساني يتعاظم دورها العملي في الحياة العامة.
وأضافت العولمة منظومة ادوار جديدة على المرأة أن تلعبها لكي تمارس حقها في الحياة بل لكي تقوم بدور يحفظ لها نوع من الوجود الإنساني الفاعل.
وتشكل منظومة الأدوار هذه التي تفرضها العولمة على المرأة إلى مجموعة من التحديات تجد المرأة نفسها أمام القيام بها شاءت أم أبت لان الموضوع لم يعد موضوع خيارات بل هو قضية وجود، وسيحاول هذا الفصل إلقاء الضوء على أهم التحديات التي تواجه المرأة العراقية وعلى أساس الدور التاريخي الذي يجب أن تلعبه في الظروف والأوضاع التي تجلت بعد سقوط النظام السابق.
ويستند هذا البحث إلى الفرضية التالية(أن التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية).
ولدراسة هذه الفرضية ينقسم هذا الفصل إلى عدة مباحث:
المبحث الأول: (العولمة: مكوناتها وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية)
المبحث الثاني : (موقع المرأة من ظاهرة العولمة).
المبحث الثالث : (التحديات التي تواجه المرأة).
1- التحدي الثقافي.
2- التحدي الاقتصادي.
3- التحدي الاجتماعي.
4- التحدي السياسي.
الـمبحـث الأول
العــــولـــــمة
( مكوناتها وأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية )
أولا :العولمة (GLOBALIZATION) المعنى والدلالة
تعددت المفاهيم التي تناولت العولمة كمفهوم حلّ في نهاية القرن العشرين بشكل غاية في القوة، فهي مرحلة جديدة في الرأسمالية (capitalism) وليس خارجها تحمل الكثير من سمات المراحل أو الأطوار التي سبقتها سواء منها طور الرأسمالية الليبرالية في مرحلة النشوء أو سمات الطور الإمبريالي في المرحلة الاحتكارية. وهذا ما يخلق تشويشاً كبيراً في تحديدها والموقف منها(1). ويبرز من هنا البعد الاقتصادي الذي يشير إلى علاقة العولمة بالايدولوجيا (الرأسمالية) باعتبارها مرحلة في السلم التاريخي للتطور الاقتصادي ، وإذا كان ذلك هو أشارة إلى موقف اليسار من ظاهرة العولمة فان اليمين العالمي له رأي آخر، فالعولمة وكما وردت في تعريف الموسوعة الأمريكية لعام 2004 هي:(2) تكامل ودمقرطة الثقافة العالمية والاقتصاد والبناء التحتي من خلال الاستثمارات الدولية والانتشار السريع لتقنيات المعلومات والاتصال وتأثير قوى السوق الحرة على الاقتصاديات الوطنية والإقليمية والدولية، وهنا يطغى البعد الثقافي– السياسي، على المفهوم باعتبار أن العولمة هي في احد جوانبها بعد دعائي لحركة الإدارة السياسية للعالم على أساس المفاهيم التي تحملها من قبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان التي هي الغطاء غير المرئي لإدارة العالم، وبذلك يدعو البعض إلى إعادة النظر في جملة من السياسات والمؤسسات لتوفير قواعد أكثر عدلا في مجال التجارة والاستثمار والتمويل والهجرة واحترام الحقوق والهويات الثقافية وتوفير فرص العمل علما أن العولمة الأكثر عدلا لن تقوم إلا على الديمقراطية كنظام كفيل على إدارة الاقتصاد بشكل يوفر الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والإدارة السياسية الحسنة، ويساهم في تفعيل قيام مجتمعا مدنيا يتمتع بالحرية. ولن تتحقق العدالة إلا بتعميم منافع العولمة على كل الناس وعلى حياتهم(3) على حد تعبير أصحاب هذا الرأي، ومن تلك الزاوية، أي من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، وكنتيجة لها فإن مفهومي الإمبريالية والعولمة يتطابقان بالكامل، أنهما مفهومان بالمطلق متساويان .
أما الأساس الذي تقوم عليه عملية العولمة فهو الصراع (conflict) التنافسي بين الاحتكارات المالية للبلدان الرأسمالية المتطورة، والتي تحاول في هذا الصراع وعن طريق استعمار البلدان الأقل تطورا ً، أن تضاعف من قوة رأسمالها الخاص وأصبحت هذه السمة جلية لا تحتاج إلى برهان وسط السيل العارم من العنف الذي يجتاح العالم(4).
و يُمْكِنُ أَنْ تعرف العولمة أيضا كتركيز العلاقاتِ الاجتماعية العالميةِ الذي يَرْبطُ الحقائقَ البعيدةَ بطريقة بحيث أنّ الشؤون المحلية مرتبطة بالأحداثِ التي توجد على بعد أميالٍ والعكس بالعكس(5). وهذا التصور غاية في القرب من المفهوم الشائع للعولمة وهو أكثر صور العولمة تمثيلا وواقعيةً .
ومع ضرورة عدم الانسياق وراء الأبعاد النظرية لتعريف العولمة التي(الأبعاد النظرية)تتسم بالشمول والاتساع فان الباحث يجد أن كل التعاريف الواردة(اطلع الباحث على ما يقارب50 تعريفا منهجيا وغير منهجي للعولمة) تركز على المعاني التالية :
1. المعنى السياسي: وينظر للعولمة باعتبارها أيديولوجيا ما بعد الحداثة ناتجة عن الانهيار السياسي والأيديولوجي(للشرق)، وتفوق طبيعي للفكر والسلوك الغربيين وخاصة في مجال الإدارة السياسية للمجتمعات والاستناد إلى النموذج الغربي في هذه العملية .
2. المعنى الاقتصادي: ويؤكد على أن العولمة هي مظهر من مظاهر القوة الاقتصادية للرأسمالية الحديثة وتطبيقا لمفاهيم مذهب الحرية الاقتصادية ومرحلة طبيعية في سلّم التطور ألتأريخي للاقتصاد الغربي.
3. المعنى الثقافي: وهو يؤكد على أن العولمة هي مجموعة من الرموز المعبرة عن نمط من الحياة المعاصرة ( ويشير مصطلح المعاصرة هنا إلى آخر ما توصل أليه إنتاج الحياة الغربية .
4. المعنى الاجتماعي: وهو أشارة إلى اعتبار العولمة نمط سلوكي ناتج عن التفاعل الحر في المجتمعات الإنسانية( الغربية خاصة ) .
وسيحاول الباحث التطرق إلى كل معنى من هذه المعاني باعتبارها من مظاهر العولمة الأساسية .
ثانيا: المظاهر العامة للعولمة ومكوناتها الأساسية
من الصعب الإلمام بكل المظاهر العامة والخاصة للعولمة ولكن يمكن الإشارة إلى بعض هذه المظاهر والتي تتميز بالتغيير المستمر وإعادة الكينونة مع كل يوم :
1. المكون الثقافي:(culture ingredient)
تشكل الثقافة كـ(مادة) والتثقيف كـ(عملية) احد المرتكزات الأساسية للفكر الغربي، وبمعنى أخر فان الثقافة احد الوسائل الرئيسية التي تستعمل في الغرب لتصدير السياسات بل أن التثقيف هو احد البنى الأساسية في النظريات التحليلية للبناء الاجتماعي للمجتمعات الغربية، على أساس اتصال الخبرة الإنسانية ، فتيار الخبرة متصل يؤدي كل جزء منه إلى الجزء الذي يليه ، ألا أن الخطورة تكمن في أن هذا الفكر يؤكد على أن معطيات الواقع لا تكون أجزاء من المعرفة الإنسانية ألا إذا أجريناها في الطريق المؤدية إلى تحقيق أغراضنا وبهذا يكون الفكر أداة لإعادة تكوين الوجود الخارجي (6).
ويشكل هذا المنطلق سندا فلسفيا في الفكر الغربي على أساس أن العلاقة بين المكونات الأساسية للمجتمع الإنساني هي علاقة تتسم بالانسجام والتكامل والتفاعل الوظيفي)7)، محتواه وميدانه الأساسي هو الثقافة. وهنا يجدر القول أن المعنى هذا هو أشارة إلى إن الثقافة هي الوسيلة والغاية في نفس الوقت.
وأكدت كافة الدراسات والنظريات الغربية ذات العلاقة أن التثقيف هو العامل الحاسم في التغيير ولذلك يتضح السبب وراء الاهتمام الكبير الذي توليه العقيدة الغربية للتأثير عن طريق التثقيف و برزت العديد من المفاهيم التي تشير إلى العمليات الثقافية للغرب في مناطق نفوذ ومن هذه المصطلحات:الغزو الثقافي،الاختراق الثقافي،الهيمنة الثقافية. وهذا يفسر الاستخدام الهائل لأدوات التثقيف الجماهيري أو الاتصال الجماهيري(mass communication).
ويحدد ما سبق احد المنطلقات التي تعتمدها العولمة باعتبارها منتج في أعلى مواصفاته غربيا وصنيعة التطور التقني والعلمي الذي أحدثته الثقافة الغربية والذي جعل من العولمة موجة ثقافية غاية في الاتساع والشمول والتغيير .ويجب التأكيد على أن مفهوم (الغرب) لا يقتصر على ماهو أمريكي وان كان هو المهيمن في الوقت الحاضر ألا أن المصطلح يشمل الفكر الأوربي الذي بدأ يبحث له هو الآخر عن دور في العولمة المعاصرة بعد أن كان في مرحلة من المراحل الأساس الذي انطلق منه الفكر الأمريكي المعاصر(.
ويجب التفريق هنا بين الثقافة التي يقصد بها التعريف الشائع من أنها الكل المكون من العادات والتقاليد والفنون والآداب وما إلى ذلك من أنواع الإنتاج الإنساني وبين الثقافة التي تسمى(بالثقافة الشعبية وهي، القِيَم التي تَجيءُ مِنْ الإعلان، وصناعة الترفيهَ، وأجهزة الإعلام، وأيقونات الأسلوبِ وتَستهدفُ الناسِ العاديينِ في المجتمعِ. وغالبا ما تكون هذه القِيَمِ بارزة ومختلفة ومتميزة عن تلك المُمزَوّجةِ بالمؤسساتِ الدينيةِ أو التربويةِ أو السياسيةِ الأكثر تقليديةِِ (9). والغريب أن هذا التعريف الذي ورد في الموسوعة الأمريكية والذي يعبر عن المعنى الفلسفي والموقف من العملية الثقافية وخاصة تلك التي تعنى بالتوجه إلى العالم الآخر. ويعبر بشكل واضح عن هيمنة المعاني والدلالات الهامشية والمحتوى السطحي للرسائل الثقافية التي تحملها لنا اخطر أنماط الاتصال اتساعا وقدرة على تصدير الثقافة وهي وسائل الإعلام ،والتي هي بدورها أعمدة العولمة الرئيسية، وتحاول المؤسسات ذات العلاقة المباشرة مع صناعة الفكر العولمي إلى التضمين الواسع للرموز أو بالأحرى الترميز العالي لكل المنتجات المعاصرة بما فيها الإنسان والتكنولوجيا والصناعات الأخرى، وصناعة تلك الرموز بالشكل الذي يعطيها قوة كبيرة في التأثير وبرزت فنون التصغير(المكروتكنلوجياmicro) والعالم الخالي كآخر صرعات الرمزية العولمية، وصناعة النموذج الثقافي مثل (الهوليوديةHollywood) ورموزها العالمية والأكلات السريعة والجنس ...الخ .
ويشير مفهوم صناعة الرموز بحد ذاته إلى اغرب ظاهرة تشهدها الإنسانية وهي وجود خط إنتاجي تتحول في مساراته المعلومات والمعارف البشرية إلى سلع رمزية مصنعة. وتطور مفهوم صناعة الرموز إلى دلالات اخطر بكثير حيث تقوم أنظمة إنتاج العولمة بالتحكم بالعلم من خلال إدارة مناهجه و تقنياته وميزانياته والطلب الاجتماعي عليه، وإدارة سوق العقول التي تنتج المعلومات والمعارف لصالح منظومة عالمية واحدة تسيطر على العالم سيطرة لا تقتصر على العلم وحده، وإن كانت تستغله في سيطرتها على كل شيء. هذا يعني، فيما يعنيه، إدارة العلم بهدف إنتاج معلومات وتقانات تخدم مبدأ السيطرة. وهنا يجب تجنب مطب الخلط المحتمل في مفهوم السيطرة، فالمقصود بالسيطرة، هنا، هو سيطرة المنظومة ذاتها، وليس سيطرة أنظمة سياسية معينة أو دول محددة، وإن كان بعضها يلعب اليوم دورا رئيسا في صناعة منظومة العولمة. أما أن يكون هذا البلد أو ذاك مركزا لإنتاج المعلومات والقوة فذلك لا يعني أن يتحدد تأثره بمنظومة العولمة عكسا بإنتاجه، بل قد يعني العكس، على أن التأثر كمقولة قيمة يتحدد بالمصلحة. وهكذا يكون على المؤسسات العلمية أن تسعى، من خلال وجود منظومة علمية حاضنة ومنظومة سياسية داعمة، لأن يكون التأثر إيجابيا. أمّا حين لا تتحقق هذه المنظومة أو تلك فيصعب الحديث عن تأثر إيجابي(10).
2. المكون الاقتصادي (economic ingredient)
يعد المكون الاقتصادي من المكونات الجوهرية للعولمة ومنطلق الكثير من المنظرين إلى تحليل ظاهرة العولمة ومزاياها المؤثرة .(11)
إن جوهر العولمة الاقتصادية يكمن في التخلي عن السياسة الجمركية الوطنية(لناحية فرض التعريفات الجمركية و الكوتا) و كذلك السياسة الوطنية في مجال النقد(أي تحديد سعر الصرف بالنسبة للعملات). و كنتيجة لذلك تحرم الدولة الوطنية نفسها من أدوات التدخل و إمكانية المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي داخل البلد لصالح مختلف المنظمات الدولية (بشكل خاص، منظمة التجارة العالمية)، الغير خاضعة للمراقبة من قبل الدولة الوطنية، والتي (أي المنظمات الدولية) تقوم بتنفيذ رغبات النخب الاقتصادية والاجتماعية و العرقية، عدا عن أنها تقوم بدور المعلف بالنسبة للبيروقراطيين العالميين الذين لا يتبدلون عملياً وهم لا يتمتعون بالمسؤولية .
وتستند الرؤية الاقتصادية للعولمة من جوانبها التطبيقية والتي تمكن الرأي العام أن يلمسها إلى المضامين التالية :
1. حرية انتقال راس المال بين الدول .
2. حرية انتقال السلع والخدمات .
3. حرية انتقال الأفراد .
4. حرية عمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
5. تعزيز العمليات الأنفة الذكر وفق مواصفات خاصة تتماشى مع تحقيق اكبر قدر من الربح وان كان ذلك يؤدي إلى استخدام أنماط من القوة ومنها القوة العسكرية.
6. تشكيل تكتلات اقتصادية، مثل النافتا(لدول أمريكا الشمالية والمكسيك). وتكتل المحيط الهادي .
7. السيطرة على الأسواق العالمية، أو بشكل أدق على الجزء الأساسي منها، مثل احتكار السوق الصيني(عبر التفاهم مع الدولة الصينية) وأسواق جنوب شرق أسيا (وعبر إعطاء دور محدد لليابان فيه) وأسواق أميركا الوسطى واللاتينية،والشرق الأوسط، وأفريقيا،(وربما روسيا والدول السوفيتية السابقة). وفي هذا الوضع تحصل ألمانيا على أسواق أوروبا الشرقية
8. إعطاء صندوق النقد والبنك الدوليين دوراً أكبر في تحقيق السيطرة، عبر ربط القروض بشروط أقسى، تنطلق من الالتزام بسياسات الشركات الاحتكارية متعدية الجنسيات .
9. تسخير الأمم المتحدة كشكل عالمي، لكي يكون "غطاءً" شكلياً، لدور الولايات المتحدة السياسي والعسكري والاقتصادي.
10. السيطرة المباشرة على المواد الأولية، وخصوصاً النفط (حيث ان حدود الأمن القومي الأميركي هي حدود النفط، كما بات يُعلن).
11. وهي بالأساس أداة فرض القوانين التي تقررها الشـركات الاحتكاريـة لـ "تشغيل" الاقتصاد العالمي(12) .
ولقد أثبتت الدراسات أن الفكر الاقتصادي العالمي وفي أعظم النظريات التي أسست له كالماركسية ورواد الفكر الغربي أن الصراع هو طريق الهيمنة الوحيد الذي يجب أن تتوافق وتنسجم الإمكانات الدولية في أطار تحقيق غاياته الأساسية ،هذا الصراع هو أساس الانهيار الذي سيمهد لبروز مظاهر اقتصادية أكثر عالمية وأكثر توازنا(13).
3. المكون الاجتماعي(social ingredient )
البعد أو المرتكز الاجتماعي الأساس للعولمة ينبع من العلاقة بين الإنسان وبين منتجاته وهي علاقة غاية في العمق والتجذر وتتسم مرة بالإيجاب ومرة أخرى بالسلب طبقا لطبيعة هذا الإنتاج واتجاهات استهلاكه ونتائجه المحتملة . ويتجه البعد الاجتماعي للبروز في حالة البحث في النتائج المحتملة لأثر العولمة في البناء الاجتماعي للمجتمعات الإنسانية والذي يتجلى في الصورة التالية :
SHAPE \* MERGEFORMAT الأنساق الاجتماعية
أنظمة الضبط الاجتماعي
انماط السلوك
المكانات
الأدوار
الجماعات
الأفراد
البناء الاجتماعي
نلاحظ أن كل مكون من المكونات السابقة في الشكل يرتبط بعلاقة تفاعلية مع المكون الآخر والعلاقة التفاعلية هي علاقة انسجام في اغلب النظريات التي عالجت البناء الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية (14).
وتحاول العولمة وأطرافها المؤثرة استخدام منهجية في التأثير الاجتماعي من خلال أعادة صياغة نمط العلاقات وأسلوب التفاعل بين مكونات المجتمع وعناصره الأساسية، وإذا كانت السياسة الإمبريالية للرأسمالية عبارة عن السياسة الاقتصادية للصفوة المالية الحاكمة في البلدان الرأسمالية المتطورة والتي تهدف إلى’’التهام‘‘الرساميل الوطنية والإخضاع الاقتصادي لاقتصاديات البلدان النامية. هذا بدوره يؤدي إلى تدمير الصناعة الوطنية والقطاع الزراعي لتلك البلدان،إلى نهب ثرواتها الطبيعية،الاستغلال المزدوج، وبالتالي إلى الانحطاط الاجتماعي والموات الجماعي للشغيلة الفقراء. من هنا تبرز طبيعة المكونات الاجتماعية للعولمة.
من جهة أخرى فإن العولمة تقوم في أساسها على العنف، الذي يضمن من خلال تخلي الدولة النامية عن سيادتها الاقتصادية التفوق والهيمنة للشركات الغربية على الشركات الوطنية في الدول النامية. وكرد فعل على ذلك يتعمق الصراع بين الدول النامية أو المتخلفة و بين الدول المتطورة، والذي بدوره يؤدي إلى نشوء حالة ثورية وإلى حدوث حروب، وربما إلى احتمال استخدام السلاح النووي، وهذا بدوره يشكل خطراً على الحياة البشرية في الأرض ككل وهي أيضا مخاطر تؤدي بحد ذاتها إلى تغيرات في حياة البشرية خاصة على الصعيد الاجتماعي ومكوناته والعناصر المؤثرة فيه. وقد عرف العقد الأخير من القرن العشرين نشوء حركات اجتماعية من نمط جديد انتشرت بسرعة كبيرة على الصعيد العالمي وقد عرفت جميعا وبغض النظر عن الاسم الذي تطلقه على نفسها بالحركات المناهضة للعولمة(15). لقد كانت بداية العمل المشترك لهذه الحركات الدعوة التي أطلقها المنتدى العالمي للبدائل من اجل ’’دافوس مضاد‘‘ انعقد مؤتمره الأول في مدينة دافوس نفسها في يناير 1999.
إن نجاح ’’دافوس المضاد‘‘ شجع على حضور مئات الحركات الاجتماعية إلى مدينة سياتل عام 1999 حيث كانت منظمة التجارة العالمية تعقد اجتماعها بحضور ممثلين على المستوى الوزاري لجميع دول العالم تقريباً.إن المواجهة الناجحة التي خاضتها هذه الحركات الاجتماعية في مواجهة المجتمعين وإعلان رئيسة المؤتمر ممثلة الحكومة الأمريكية ووزيرة التجارة فشل المؤتمر شكل بداية المواجهة التي نشهدها اليوم ضد السياسية الليبرالية الجديدة ونقطة الانطلاق لحركة اجتماعية عالمية ذات طابع أممي وصفت من قبل بعض المعلقين بعد تظاهرة الملايين العشرة التي انطلقت في 15 شباط(فبراير) ضد الحرب على العراق بأنها القوة العظمى الجديدة في مواجهة القوة الأمريكية والبحث عن البدائل للمشكلات التي تسببها العولمة الرأسمالية.
وإذا كان تعبيرَ العولمةُ يُشيرُ إلى الترابطِ المتزايدِ للأممِ والناسِ حول العالمِ من خلال التجارةِ، ألاستثمار، السفر، الثقافة الشعبية، وأشكال أخرى مِنْ التفاعلِ.فان هذا الترابط يشير بشكل واضح إلى نمط جديد من العلاقات الاجتماعية الدولية. وقد بدى البعد الاجتماعي طاغيا أيضا في بعض التعاريف كذاك الذي يؤكد أن العولمة هي التفاعل الشامل بين الناسِ و الواسع الانتشار، بالإضافة إلى السفرِ على المسافاتِ الواسعةِ عبر مناطقِ العالمِ(17) ونخلص إلى أن المكون الاجتماعي من التعقيد إلى حد تأثيره وتأثره بكل المكونات السابقة.
4. المكون السياسي (politic ingredient)
§ المكون السياسي هو الأداة التي تمارس من خلالها العولمة دورها على الساحة الدولية. وجاءت العولمة بعدد من القضايا السياسية لتضعها في سلّم أولويات التفاعل في العلاقات الدولية من ثم أصبحت أداة من أدوات الخطاب التي تستخدمها العولمة و هذه الأولويات.
§ نظام الحكم (محاولة التأكيد على مفهوم جديد لنظام الحكم على الصعيد الوطني) مما يعني فرض تصور جديد لهذا النظام وبخصائص(حديثة) يجب تطبيقها في العالم.
§ العلاقات الدولية (التأكيد على نمط من العلاقات الدولية قائما على أساس الانفتاح وتحكم مجموعة الأقوياء في إدارة العالم من خلال منظمات مثل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي).
§ حقوق الإنسان(بروز مفهوم حقوق الإنسان والديمقراطية ومحاربة الإرهاب من خلال العمل الجماعي الدولي والتأكيد على خصائص معينة لعلاقة الدولة بمكوناتها الوطنية تستند هذه العلاقة إلى رقابة دولية).
دراسة لـ’’مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن‘‘ تتوقع أن يتحول الشرق الأوسط، بتحديده الأوسع، إلى القضية الرئيسية للعلاقات ’’عبر الأطلسية‘‘ خلال هذه السنة. ولا يضع التقرير توقعه هذا في أطار الخلاف الذي شهده هذا العام حول الحرب في العراق، وإنما باعتبار أن الشرق الأوسط ’’الأكبر‘‘ سيكون بالفعل ساحة "المصلحة الإستراتيجية"، ليس للولايات المتحدة وحدها وإنما لأوروبا أيضا. وبهذا المعنى تكون المسؤولية عن ’’الشرق الأوسط الأكبر‘‘ غربية وليست أوروبية، أما الميدان الآخر للتوقعات المستقبلية فيتناول المزيج المتفجر للنمو البطيء الذي تشهده دول الشرق الأوسط مع التضخم السكاني الذي يتابعه التقرير على مدى خمسين عاماً مقبلة، ليخلص إلى أن مشكلة العلاقات الدولية المقبلة ستبقى أسلامية، أي ستبقى مشكلة مع ظاهرة الإرهاب(18). ومما أضفى تنوعا ومضامين جديدة للبعد السياسي للعولمة هو ذلك الصراع الجديد بين الأمركة والعولمة و تنامي المشاعر الوطنية الأمريكية وازدياد الميل لتعميم النموذج الثقافي ونمط الحياة الأمريكية في العالم، على حساب مشاعر ’’العولمة‘‘ التي ترتكز على التعددية، التنوع والروح الأممية ونمو النزعة العسكرية والميل لاستخدام القوة والحرب الاستباقية، لاسيما بعد زلزال 11سبتمبر(2001) للتعويض عما حصل ووجود تيار ’’أيدلوجي‘‘، هو تيار ’’المحافظون الجدد‘‘، الذي يتبنى موقفا مفاده أنه ثمة دور دولي (رسولي) للولايات المتحدة عليها القيام به، لما تتمتع به من إمكانيات ووسائل القوة، لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر، وإصلاح العالم وبناؤه على شاكلة النموذج الأمريكي، أو بما يتلاءم والمصالح الأمريكية، وذلك للتوفيق بين المثل الأمريكية والقوة الأمريكية .
وان كان الحديث عن المرأة ذو أبعاد خاصة ألا أن الباحث وجد من المهم الإشارة إلى المكونات الأساسية والكبرى للعولمة من اجل توضيح الصورة أمام المرأة باعتبار أنها عنصر مهم على الساحة الدولية ولابد لها لكي تمارس دورها الصحيح فان عليها استيعاب الحقائق الكبرى والأساسية في العالم بعيدا عن المعالجات التقليدية والذي يحاول قصر دورها على الاهتمام بقضايا الأنوثة ومن هذا المنطلق ساق الباحث المكونات الأساسية للعولمة والذي خلصت إلى أنها متنوعة ومتطورة بحسب الاهتمامات والحاجات الإنسانية التي تتطور بشكل كبير .
الـمبحـث الثاني
موقع المرأة من ظاهرة العولمة
المطلب الأول
المرأة في أدوات العولمة
المرأة مكون اجتماعي وثقافي ومنظومة من المتغيرات التي تحكم حياة الجنس البشري في احد جوانبه وليس هذا القول تعقيدا بل هو منهجي وأثبتت الدراسات أن هذا النمط من التحليل أساسي لفهم العملية التي بمقتضاها يتكون ويتفاعل هذا النسق مع الأنساق المعاصرة له .(19) بدت أدوات العولمة قادرة على إعادة صياغة المعارف والمعلومات التي يمتلكها البشر، ومن ثم في المرحلة التالية التأثير في الاتجاهات والمواقف التي يتبناها البشر من قضية ما وفي المرحلة اللاحقة التأثير في السلوك وهذه تشكل بمجملها مراحل التغيير في أي قضية أو ظاهرة اجتماعية وليس هذا إلا النتيجة الطبيعية والنهائية لعمل العولمة باعتبارها أحد أهم مصادر المعلومات والمعارف ومنتجة لكم هائل من المعلومات وبغض النظر عن جوهر هذه المعلومات والمعنى والدلالة التي تحملها إلا أنها مجموعة من الصور عن العالم والوجود والحوادث التي تحدث هنا وهناك.وجرى شبه اتفاق كامل بين المنظرين والباحثين والدارسين لشان المعلومات ذات المنشأ العولمي أنها تتميز بما يلي:
1.أفقية الاتجاه بمعنى أنها تتعامل بسطحية مع الموضوعات والحوادث قيد النقل.
2. السلبية العالية ( التـي علــى الحــوادث السلبية والمشكلات التي يحدث نقلها اكبر قدر من الإثارة والتسويق الدعائي والسياسي والاقتصادي .
3. أحادية المصدر .
4. انحياز إلى المرجعية الفكرية للمصدر .
5. التوظيف العالي والدقيق للشكل والمضمون باتجاه تحقيق غايات عالمية .
6. يناء علاقات مع أطراف الصراع الحضاري المعاصر .
وانطلاقا من المؤشرات السابقة فقد أخذت المرأة موقعا مهماً من ظاهرة العولمة وذلك على أساس الحقائق التالية :
§ الاستخدام الواسع للخصائص( الجسدية والمعنوية) للمرأة في الثـقافة ورموز التوريد الثقــافي مثل : الإعلان (advertisement) والدعايــة (propaganda)والحرب النفسية والدعوة(أنتاجا وتسويقا واستهلاكا)(20)
§ إدخال العنصر النسوي في العملية الإنتاجية(العمالة) باعتبارها احد عناصر العمل الأساسية (21) .
§ التسويق الغربي لاعتبار المرأة احد العناصر الأساسية في بناء القوة السياسية والعسكرية ويلاحظ ذلك من خلال أبراز دور المرأة في الانتخابات الرئاسية والنيابية وإظهار صورة المرأة العسكرية المحاربة في الجيوش الغربية (22)
§ بدت المرأة قضية جوهرية من قضايا العلاقات الدولية وخاصة على الصعيد الاجتماعي ومؤتمرات وقمم المرأة ما هي ألا تطبيق واضح لهذه الحقيقة(23).
إذاً، فقد حولت العولمة العالم إلى مصنع من نوع خاص وسوق لكل ما يمكن شراؤه أولا يمكن واختارت للمرأة دور الوسيط بينهما كمروّج ،ليس من خلال إمكاناتها الفكرية أو قدراتها المهنية، لكن من خلال توظيف جسدها لضمان التصاعد المستمر للرغبات الاستهلاكية بوساطة الترويج للسلع والمنتجات بتحويل الجسد الأنثوي إلى وحدة اقتصادية تعمل على تعظيم الربح وجلب المزيد من الفائدة، نازعة بذلك الصفة الإنسانية عن هذا الكائن من خلال تحديد المضمون الأخلاقي لوظيفة المرأة، فقبلت وظائف جديدة كانت تعتبر في الماضي مشينة وتغيرت مفاهيم عدة وليس بالضرورة إيجابيا طبعا إلى مفاهيم مناقضة لها تماما فأصبحت المرأة تعرف في كثير من الأحيان والمجالات من خلال حدود الجسد وما يوفره من امتيازات. فهل المرأة العربية هي المسئولة هنا عن هذا المصير أم هي ضحية لتدافعات فرضتها تلك المسافة الفاصلة بين الغالب والمغلوب وعوامل الضعف والقوة بين دول الغرب الرأسمالي وبقية دول العالم.فكيف يرسم هذا النظام شكل الإنسان الجديد ؟ وكيف سترى المرأة مكانا فيه لكيانها الإنساني لا الغريزي؟
لنترك نظرياتنا جانبا وننظر إلى الأرقام والنسب الناتجة عن دراسات اليونسكو وتقرير التنمية البشرية لهذا العام والتي تقول أن نسبة الأمية قد ازدادت في أوساط النساء، والفقر كذلك، ففي العالم مليار و300 مليون فقير مدقع، منهم 900 مليون امرأة أي ما يعادل 70% أي ما يعادل نصف سكان العالم ويعملن ثلثي ساعات العمل ويأخذن عشر الأجور فقط التي تدفع في العالم وواحد على مئة من ثروة لعالم(24).
بعد هذا الإطلاع البسيط على هذه المعطيات يتبين لنا كيف تستغل المرأة في ظل البطالة والنزاعات وحاجتها المادية الملحة، ويستغل جسدها في الترويج للسلع، للنموذج المؤمرك فيروج للجسد الأنثوي النحيل (الباربي) وتروج مساحيق هذا النموذج وأزياؤه وحتى الأدوية التي توصل الأخريات إليه. و تسوق العمليات التجميلية له. كل هذا مــن أجــل الربــح الوفير الممكن أن تجنيه هـذه المصانـــع العابرة للقارات من خلال صناعة الجمال. فالمرأة اليوم تشكل وحدة اقتصادية، مثل الرجل تماما، والطفل أيضا أمسى وحدة اقتصادية بالنسبة للشركات بعيدا عن مصلحته بالطبع و إنما من أجل كل ما يحقق المزيد من الأرباح للشركات الكبيرة (المعولمة) فالمال هو المهم والعالم سوبر ماركت كبير كل شيء فيه قابل لأن يكون للبيع وبالتالي تكون المرأة جزءاً من هذا النظام يتم استغلاله في أبشع الصور استصغارا للكائن البشري(25).
ففي عصر العولمة يصبح الجسد جزءاً من ثقافة هذا العصر و يصبح الجسد جزءاً من ثقافة الصورة وأخطر ما جاء في ثقافة الصورة هو حضور الجسد في العالم كله؛ وتداوله بوصفه سلعة استهلاكية، ومع تقدم فنون الإعلان والتجميل ومسابقات ملكات الجمال تقدمت فنون صناعة الجسد وفنون الاهتمام بالمتع على اختلاف أنواعها، وأصبح رجال الفن والإعلان والسياسة وغيرهم يقدمون باعتبارهم أجسادا جميلة قبل أي اعتبار آخر ولم يعد جمال الجسد الأنثوي مرتبطا به مقدار الإثارة التي تتوفر في هذا الجسد أو ذاك.وهنا تدخلت الثورة التقنية لتحويل الجمال إلى عمل وصناعة ولذلك نشاهد أن الأنظمة الغذائية انتعشت وصناعة الأغذية الخاصة انتعشت أيضا، والرياضة الموجهة ونشاهد أيضا أنه جرى تعميم النموذج المثالي لجسد المرأة ومقاييسه ومعاييره وما يجب أن يظهر منه وما يجب أن يخفى، عبر مئات الآلاف من الصور وعروض الأزياء والأفلام وأغلفة المجلات وأصبح أخطر ما في الأمر أن جسد الأنثى أصبح مثالا يمكن أن يتحول إلى حقيقة، وليس من خلال تطبيق نظام غذائي بل من خلال الجراحات المكلفة والتي تختص بها مراكز طبية معينة ومشهورة عبر العالم دون سواها وأصبح هذا المفهوم ضمن حرية تغيير الجسد ففي عام 1998 شهدت الولايات المتحدة إجراء ما يقارب من ثلاثة ملايين عملية تجميلية لا تشمل التشوهات الخلقية. أصبح الجسد وليس المؤهلات الأخرى هو الطريق إلى الوظيفة (مزن مرشد: الحوار المتمدن، شبكة الانترنت، الحوار المتمدن،2003).ومن كل ما تقدم نلاحظ إن موقع المرأة من ظاهرة العولمة موقعا مركزيا ، فهو أداة ووسيلة في عين الوقت.
المطلب الثاني
تجليات المرأة العراقية في مناخ العولمة
لا ينفك مصير المرأة العربية أو العراقية على وجه الخصوص عن المصير الذي يمكن أن تلاقيه المرأة في أي مكان آخر في العالم وذلك لارتباط القضية والقدرة الهائلة للتحدي الذي يمكن أن تصل تأثيراته إلى أي مكان في العالم وبنفس القوة .
وإذا بدأنا من التراث فانه من المتعذر على المرء استجلاء صورة المرأة العربية الاجتماعية فيه، ولا سيما أن هذه الصورة جاءت مبهمة ومشوشة. فإذا استثنينا الدراسات الدينية، المحددة للحلال والحرام، يبقى نصيب المرأة من الدراسات العلمية قليلاً. وحتى هذا القليل لم ينصفها لعدة أسباب. وأولها أن هذه الدراسات انعكاس موضوعي للنسق القيمي العام، ثانيها أنها تناولت المرأة من الجانب الفيزيولوجي لا الإنساني، وثالثها أن النظرة التقليدية اعتبرت التفكير في وضع المرأة، أو الكتابة عنها أمراً مكروهاً. وتجسيداً لهذه الرؤية المثالية، فإن الصورة الاجتماعية للمرأة تتجسد في نمطين اجتماعيين مثاليين، فهي إما امرأة صالحة ومثالية، فتكون في هذه الحالة محجوبة عن المجتمع، وإما غانية وغاوية، أما المرأة الإنسانية فلا وجود لها في المنظور التقليدي.
ولعل ما خلفه الأدب النسائي من الأسفار، وعلى الرغم من ندرته، يساعدنا على استجلاء صورة المرأة الاجتماعية(26).
إن أول مآخذنا على هذا الأدب هو أن المرأة ظلت دائماً موضوعاً للشعر والأدب والحب العذري، ولا أثر يذكر لها في الدراسات الاجتماعية. إنها موضوع الغزل لا العلم، والعاطفة لا العقل، وصورتها المتناثرة في ثنايا كتب الشعر والأدب توحي بأنها خلقت قاصرة، عاجزة، وأن قصورها كامن في طبيعتها، لا يصح وجودها إلا بالرجل، إنها ملحق به، ومن متاعه. ترى الثقافة التقليدية في المرأة تارةً لغزاً، وكائناً عجيباً، وأخرى رمزاً للغواية والإغراء، وهي رمز للشرف والعرض، وتلك قيم فوق زمانية وفوق مكانية. ولما كانت المرأة رمزاً لشرف الجماعة، فإن الرجال يحرسون السلوك الأخلاقي للنساء، ويخضعونه لرقابتهم..(27).
وما دامت أجزاء من الثقافة التقليدية، بما فيها الثقافة الشعبية بوصفها تعبيراً عن (اللاشعور الجمعي) لا تعتبر المرأة إنساناً، بل قاصراً، وجنساً، فإنها لا يمكن أن تكون مصدراً للأخلاق. وتنعكس هذه النظرة على توزيع الأدوار في (الأسرة)، الرجل مركز القوة والثقل، بمقدار ما تتحول المرأة إلى مركز الضعف والمهانة. فكل يلعب دوره المقرر له، وكأنه لم يخلق إلا له، أو كأن هذا الدور جزء من طبيعته. الجنس يحدد الطبع، وهذه هي النظرة التي تبنتها مدرسة فرويد.. وبفضل التربية والتعليم والعمل بدأت هذه الصورة الاجتماعية للمرأة في نظام القيم التقليدي تفقد بعضاً من أهميتها، فالتعليم الإلزامي خلق جيلاً جديداً، أكثر ثقافة من الأهل، وساهم في الوقت نفسه في تعميق الهوة داخل الأسرة، وفي تغيير العلاقات والأدوار الاجتماعية.
وعليه، إن نظام القيم التقليدي يتعارض مع نظام القيم العصري في الوظائف والأدوار. فإذا كانت حقوق المرأة وواجباتها واضحة في المجتمع التقليدي، فقد اعتراها اليــوم الكثيــر من الفوضى، الأمر الذي جعــل المرأة تقوم بعدة أدوار، فإضافة إلى أعمالها التقليدية كزوجة وربة بيت وأم، إنها اليوم الموظفة والمحامية، وهذا يثقل كاهلها ويجعلها تقوم بأدوار متناقضة ومتعددة في الوقت ذاته.تخوض المرأة العربية، إذاً، صراعاً متعدد الجوانب. فهناك الصراع بين القيم الموروثة والقيم الجديدة التي تعلي من شأنها، وهناك صراع الأدوار داخل الأسرة أيضاً، بحيث تسعى المرأة إلى إعادة توزيع الأدوار بعد مشاركتها في العمل، بينما يتمسك الرجال بمكاسبهم التقليدية(28) .
وأكدت دراسات أخرى أن هذه النظرة لا يسلم منها أي مجتمع من المجتمعات العربية(29) حيث أصبح انعدام المساواة بين الجنسين، أي التمييز ضد النساء والبنات في الحصول على الفرص والضمانات، مسألة هامة وواضحة في اقتصاديات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(30).
واستثمرت نتائج هذا الوضع في تشويه صورة المرأة إلى حد ربطها بموضوع الإرهاب وأكد المصدر ذاته أن وضع المرأة في المنطقة يتميز بما يلي:
1. مركزية العائلة .
2. دور الرجل كمعيل أساسي للأسرة .
3. قيود الاختلاط مع ارتباط شرف العائلة بسمعة المرأة.
4. ميل منظومة القوانين إلى صالح الرجل .
وتشير مجمل الحقائق السابقة إلى أن موقع المرأة في الحياة العربية (المجتمع العراقي جزء منه) تحتاج إلى تأمل كبير من المرأة لكي تعيد استكشاف نفسها الآن .
الـمبحـث الثالث
التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة
(رحم الله امرأ عرف نفسه )..
وان كان هذا المدخل غير منهجي في هذا المبحث فأنني أصر على استخدامه مدخلا لوصف التحدي الأكبر الذي تواجهه المرأة والمتعلق أولا بفهم ألذات والمعطيات التي تشخص المرأة من خلالها طبيعتها النفسية والشخصية ولذلك فأنت لكي تعمل باتجاه معين يجب أدراك ألذات أولا لكي تتكامل المعادلة التي تشكل نمط التعامل والتفاعل مع العالم الخارجي وذلك للخلاص من اعقد الإشكاليات وهي إشكالية الاغتراب القادر على إلغاء الذات وتحويلها إلى ذات هامشية.
وطبقا للتسلسل المنهجي يمكن وضع سلم التحديات حسب أولوية الاهتمام بها من قبل المرأة كما يلي :
أولا: التحدي الثقافي
ويأتي في المقام الأول وهو تحد قائم على أساس ضرورة أن تدركه المرأة العربية عامة والعراقية بشكل خاص وتدرك المنظومة الثقافية التي حكمتها في الماضي والمنظومة الثقافية الجديدة، وتتعامل معها سواء منظومة الرموز اللغوية أم الصورية أم المنتجات الثقافية التي تتشكل كل يوم في أطار جديد مما يضع أمام المرأة ضرورة التشكل واستملاك وتعليم قابليات جديدة من المرونة والقدرة على إعادة التعامل مع المتغيرات بغض النظر عن الإمكانات الأساسية معها والابتعاد عن الثقافة النقدية العالية السلبية والتي تؤطر حركة المرأة بنوع من المعاني التجريدية غير العملية. والقدرة على الملاحقة يتطلب مهارات كبيرة وخاصة ربما غير موجودة في المرأة العربية والإسلامية – مثل الحرية في العمل- والتدريب العالي – والمؤهلات الفنية والمادية - بسبب العوامل التي سبق ذكرها .والمهمة الأساسية هي أعادة رسم الصورة الواقعية للمرأة سواء في الإطار الرمزي أم العملي ذلك لان الصورة السلبية للمرأة تاريخيا لا يمكن أن نرمي بها على أدوات معينة مثل الإعلام أم العولمة بل أن للقضية ربما أصول ومبررات واقعية يجب أن تستخدم المرأة مبدأ( الدعاية من خلال الحركة) لمعالجة الظاهرة العالمية المتمثلة بتركيز مفاهيم ثقافية معرفية . ومعالجات الطروحات التي تشكل جدلا واسعا على الصعيد العالمي مثل الحجاب والعمل والهجرة .
إن هذا الإعلام الذي بدأت تكرسه الفضائيات العربية، ومع أنه لا يمكن لأحد أن ينكر مزاياه، يعكس متناقضات المجتمع العربي، هذا المجتمع الذي لا يجيز للتلفزيون العراقي أن يُعلم بصدق ومصداقية فيدفع بالصّحاف إلى الإبداع الخطابي والبلاغي على "الجزيرة" و"أبو ظبي" و"العربية" وغيرها، هذا المجتمع الذي يعتبر المرأة إنسانا من الدرجة الثالثة لنراها تندفع إلى التألق عبر شاشات هذه الفضائيات وعلى ميدان المعركة(لاحظوا عدد المراسلات الحربيات والمقدمات الجميلات الرشيقات المتمدّنات). ويشمل الأمر التحدي التربوي الذي يحصن العقلية واليات انتقال العلم وخصائص المعرفة إلى الجيل اللاحق .
وربما انه في زمن التخلي السياسي تبقى الروح اليوتوبية ضرورة أكثر من أي زمن أخر. وذلك للمعانات التي سببتها الثقافة المادية السائدة التي تحاول تدمير الرموز الفكرية الروحية واليوتوبية التي عاش عليها الإنسان وعلى آمالها لفترة طويلة .
وربما صح القول أن دعوة المرأة إلى تحرير الرجل هي أجدى لها من المطالبة بتحريرها هي لان المرأة العربية واقعة أساسا تحت عقلية الرجل الشرقي الذي هو في الأساس يعاني من غبن تاريخي على الصعيد الثقافي والأصعدة الأخرى .
ثانيا: التحدي الاقتصادي
التحدي الاقتصادي هو التحدي البارز الذي يحمل سمات حركة التأريخ المعاصرة. ولطالما نرى الآن أن البعد الاقتصادي للتحديات التي تواجه المرأة العربية والعراقية نابع من أن العولمة ذاتها تركب موجة الاقتصاد إلى جانب أن هذا الأخير هو المحرك الأبرز في هذه الظاهرة التاريخية .
وإلى جانب التحديات الاقتصادية على الصعيد المحلي وهي تحديات تاريخية بدورها كالفقر وانخفاض مستوى التعليم وتردي المكانة الاجتماعية المستندة إلى البعد الاقتصادي فأن هناك منظومة من التحديات الاقتصادية للمرأة العربية والعراقية تتلخص فيما يلي:
§ تحديد ودراسة الطاقات التي تمتلكها المرأة العربية والاستفاضة في قياس هذه الطاقة ووضعها في إطارها الكمي .
§ دراسة اتجاهات استثمار هذه الطاقة وتحديد مجالات توزيعها واستهلاكها بعيدا عن ميادين هامشية وخيالية.
§ الدخول إلى ميادين الإنتاج العالية الجودة والهامة في أطار الاقتصاد العالمي لكي تتحول المرأة من سلعة إلى منتج تمتلك أسباب التأثير الاقتصادي وتكوين اللوبيات النسائية في عالم عربي يعاني من فقر اقتصادي تاريخي.
§ إعادة النظر بثلاثية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك التي تمارسها المرأة في البيئة العربية .
§ البحث في سبل الدخول إلى عالم التحديات التي تفرضها العولمة باعتبارها حركة في سلم التطور الاقتصادي العالمي.
§ التدريب وتقديم نماذج العمل التي تثبت أن المرأة قادرة على استيعاب حركة العمل والسوق والمفاهيم المرتبطة بها مثل تداول الأسهم والسندات وانتقال رأس المال والاندماج في مفهوم الشركات العابرة للقارات.
وإلى ذلك يجب التأكيد على أن هذه العمليات هي مورد بناء الذات العراقية أو العربية في جزءها المقابل للذات العالمية للمرأة.
ثالثا: التحدي الاجتماعي
التحدي الاجتماعي هو نتاج لتفاعل المرأة مع مفردات الحياة العامة . وبمستوى تعقيد هذه المفردات واتساعها مكانيا وزمانيا فان عملية التفاعل تأخذ سماتها واتجاهات تأثيرها الحالي والمستقبلي. ولطالما وجدت المرأة العربية والعراقية نفسها في بيئة اجتماعية لا تشجع على التفاعل القوي أو السريع وفي بيئة تتسم بحالة هي اقرب إلى الجمود منها إلى الحركة مما دفع النساء العربيات أما إلى الهجرة أو إلى الانكفاء على الذات والضمور مع الزمن.
ولكي تعالج هذه الظواهر لابد من مواجهة تحدي يتمثل في المحاور التالية :
§ أعادة بناء الروابط الفردية وبناء جماعات نسوية باستخدام التنظيم العالي للمؤسسات التي تحول الجهد الفردي النسوي إلى جهد جماعي.
§ تطوير آليات أداء الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها المرأة والبحث عن منظومة متطورة من الأدوار تتلاءم مع روح العصر والحاجات والطموحات المستقبلية واستبدال منظومة الأدوار التقليدية بأخرى أكثر حداثة .
§ توضيح وتعزيز المكانة الاجتماعية ( أبعادها ومضامينها ) التي تحوزها المرأة مكتسبة كانت أم موروثة وبالتوازي مع تطوير منظومة الأدوار .
§ الاستناد في العمليات السابقة إلى منظومة من أنظمة الضبط الرسمي وغير الرسمي والالتزام بتلك المنظومة باتجاه تحديد مقاييس ومعايير وقوانين تخص( العملية النسوية)إذا صح التعبير وبغض النظر عن الزمان والمكان وتوضيح العلاقة مع القيم والمعايير والأعراف والتقاليد والدين وبشكل يرسم مسارات السلوك الاجتماعي للمرأة بشكل واضح .والتي اشرنا على أصالتها في السلوك والتأثير.
§ السعي إلى تحديد نمط سلوكي خاص للمرأة العربية بعيدا عن أنماط السلوك الجاهزة التي تنشرها الحضارة الحديثة والتي تشوش على الأنماط السلوكية التي حددتها ظاهرة المرأة في تطورها التاريخي، علما إن التفاعل الطبيعي بين المكونات الأربعة السابقة سيحدد قطعا النمط السلوكي العام الذي سيظهر في التحليل الاجتماعي العلمي للحركة النسائية العربية .
§ أن مجموعة الأنماط السلوكية سيحدد النسق الاجتماعي للمرأة الذي يؤلّف بدوره النظام الاجتماعي وهذا سيكوّن بدوره البناء العام لمجتمع المرأة. والذي يفترض أن تكون له خصائص عالية التحديد.
ومن المهم أن نشير إلى أن الاغتراب هو المحصلة النهائية التي ستجنيها المرأة لأي تقصير في سلسلة التتابع السالفة الذكر وخاصة إذا لم يستند هذا التتابع إلى بعد أخلاقي (سيكوسوسيو ديناميكي)(نفسي-اجتماعي– حركي)عالي القدرة .
رابعا: التحدي السياسي
يشير هذا التحدي إلى مجمل الفعاليات التي تمارسها المرأة باعتبارها كائنا سياسيا. ويمكن تبرير وضع هذا التحدي في آخر القائمة للأسباب التالية:
§ إن المتغير السياسي هو حاصل أداء المتغيرات الثلاثة السابقة.
§ إن المتغير السياسي يأخذ دور القائد والمؤثر الحاسم والنتيجة النهائية للأنظمة الاجتماعية (social systems ) الأخرى .
§ إن المتغير السياسي أصبح أداة أساسية لتطبيق أو تحقيق الطروحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى للعولمة .
وإذاً وفي هذا الإطار على المرأة أن تتعامل مع التحديات التالية:
1. التفاعل مع أطروحة المجتمع المدني كفضاء أو حقل للنشاطية أو الكفاحية المنطلقة من الإيمان بقيم عالمية، وبوحدة المصير البشري، على الأقل بالنسبة لموضوعات أو قضايا حاسمة مثل السلام والعدالة والتنمية والبيئة وحقوق الإنسان.
2. التعامل مع القضايا التي تعتبر محور العلاقات الدولية المعاصرة سواءً السلمي أم الأكثر عنفا مثل الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقلال والإرهاب .
3. الانتقال إلى مرحلة المشاركة السياسية من مرحلة البحث عن الحقوق أو الأدوار ROLES.
4. محاولة طرح الفكر السياسي النسوي باعتباره مكملا للطرح السياسي العام في الأدبيات السياسية .
5. دعوة المرأة العربية خاصة إلى استخلاص النموذج السياسي باستلهام مبادئ الرسالة الإسلامية السمحاء.
أن العملية السياسية وبما أنها تحمل مضامين التحديات السابقة فأنها بذلك ستكون غاية في السرعة والتغير والتنوع .
ومن التطبيقات التي يمكن الإشارة أليها هنا هي تحديات الحرب والصراع المستمر داخل حدود بيئة المرأة العربية والعراقية والتي تعتبر أعلى مراحل التحديات التي يمكن أن تواجهها المرأة في زمن معين وهنا يكون التحدي ذو معايير حاسمة ربما تؤدي إلى فناء العالم الذي تعيش فيه هذه المرأة باعتبار أن الحرب هي نوع من أنواع الصراع البشري غالبا ما يؤدي إلى تدمير احد الطرفين أو القضاء علية أو هزيمته وتخليه عن مكونات ذاته التاريخية لصالح مكون العدو المنتصر.خاصة ونحن أمام عالم تغيرت فيه عوامل الصراع واتجاهاته بمجرد مهاجمة بنايتين أمريكيتين وتدميرهما.
نظرة مستقبلية
( صناعة النموذج)INDUSTRY OF THE MODEL
يجب أن لا يغيب عن الذهنية العراقية إمكان أن تكون العولمة أحدى المرتكزات أو الوسائل التي استخدمتها القوة الغربية وعلى رأسها الولايا
مواضيع مماثلة
» اجراءات الدعوى المدنيه امام القاضي الجنائي
» التهابات المهبل عند المرأة
» المرأة والسلطة فى مصر
» أسوأ ما فى المرأة
» دور المرأة فى اليوم التاريخى
» التهابات المهبل عند المرأة
» المرأة والسلطة فى مصر
» أسوأ ما فى المرأة
» دور المرأة فى اليوم التاريخى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى