ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل
صفحة 1 من اصل 1
ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل
ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل
قال المسعوديّ: وقد كانت أرض مصر على ما زعم أهل الخبرة والعناية بأخبار شأن العالم يركب أرضها ماء النيل وينبسط على بلاد الصعيد إلى أسفل الأرض وموضع الفسطاط في وقتنا هذا وكان بدء ذلك من موضع يعرف: بالجنادل بين أسوان والنوبة إلى أن عرض لذلك موانع من انتقال الماء وجريانه وما يتصل من النوبة بتياره من موضع إلى موضع فنضب الماء عن بعض المواضع من بلاد مصر وسكن الناس بلاد مصر ولم يزل الماء ينضب عن أرضها قليلًا قليلًا حتى امتلأت أرض مصر من المدن والعمائر وطرّقوا للماء وحفروا له الخلجان وعقدوا في وجهه المسببات إلى أن خفي ذلك على ساكنيها لأنّ طول الزمان ذهب بمعرفة أوّل سكناهم كيف كان انتهى.
قلت: ومما ذكر أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية: أن أرض مصر كان النيل ينبسط عليها فيطبقها كأنها بحر ولم يزل الماء ينضب عنها وييبس ما علا منها أوّلًا فأوّلًا ويسكن إلى أن امتلأت بالمدن والقرى والناس.
ويقال: إن الناس كانوا قبل سكنى مدينة منف يسكنون بسفح الجبل المقطم في منازل كثيرة نقروها وهي المغاير التي في الجبل المقابل لمنف من قبليّ المقطم في الجبل المتصل بدير القصير الذي يعرف: بدير البغل المطل على ناحية طرى ومن وقف عند أهرام نهيار أي المغائر في الشرقي وبينهما النيل ومن صعد من طرا إلى الجبل وسار فيه دخلها وهي: مغاير متسعة وفيها مغائر تنفذ إلى القلزم تسع المغارة منها أهل مدينة وإذا دخلها أحد ولم يهتد على ما يدله على المخرج هلك في تحيره ويقال: كانت مصر جرداء لا نبات بها فأقطعها متوشلح بن أخنوخ بن يَازْد بن مهلاييل بن فتيان بن أنوس بن شيث بن آدم لطائفة من أولاده فلما نزلوها وجدوا نيلها قد سدّ ما بين الجبلين فنضب الماء عن أرض زروعها فأخرجت الأرض بركاتها ثم بعد زمان أخذها عنقام الأوّلى بن عرياب بن آدم بالغلبة ونسل بها خلقًا عظيمًا وجهز لقتال أولاد يزد سبعين ألف مقاتل وحفر من البحر إلى الجبل نهرًا عرضه أربعون قصبة ليمنع من يأتيه فأتاه بنو يزد فلم يجدوا إليه سبيلًا ففزعوا إلى اللّه تعالى فبعث على أرض مصر نارًا.
ذكر أعمال الديار المصرية وكورها اعلم أن أرض مصر كانت في الزمن الأوّل الغابر مائة وثلاثًا وخمسين كورة في كل كورة مدينة وثلثمائة وخمس وستون كورة فلما عمرت أرض مصر بعد بخت نصر صارت على خمس وثمانين كورة ثم تناقصت حتى جاء الإسلام وفيها أربعون عامرة بجميع قراها لا تنقص شيئًا ثم استقرّت أرض مصرها كلها في الجملة على قسمين: الوجه القبلي: وهو ما كان في جهة الجنوب من مدينة مصر.
والوجه البحري: وهو ما كان في شمال مدينة مصر.
وقد قسمت الأرض جميعها قبليها وبحريها على ستة وعشرين عملًا وهي: الشرقية والمرتاحية والد قهلية والإيوانية وثغر دمياط.
الوجه البحري: جزيرة قويسنا والغربية والسمنودية والدنجاوية والمنوفية والستراوية وفوّه والمزاحمتين وجزيرة بني نصر والبحيرة وإسكندرية وضواحيها وحوف دمسيس.
والوجه القبلي: الجيزة والأطفيحية والبوصيرية والفيومية والبهنساوية والأشمونين والمنفلوطية والأسيوطية والأخميمية والقوصية.
وهي أيضًا ثلاثون كورة وهي: كورة الفيوم وفيها مائة وست وخمسون قرية ويقال: إنها كانت ثلثمائة وستين قرية وكورة منف ووسيم خمس وخمسون قرية وكورة الشرقية وتعرف بالأطفيحية سبع عشرة قرية وقرى أهناس ومنه: قمن ثماني قرى وكور تادلاص وبوصير ست قرى وكورة أهناس خمس وتسعون قرية سوى الكفور وكورة البهنسا مائة وعشرون قرية وكورة الفشن سبع وثلاثون قرية وكورة طحا سبع وثلاثون قرية وحوز سنودة ثمان قرى وكورة الأشمونين مائة وثلاث وثلاثون قرية وكورة أسفل انصنا إحدى عشرة قرية وكورة سيوط سبع وثلاثون قرية وكورة شطب ثمان قرى وكورة أعلا أنصنا ثنتا عشرة قرية وكورة قهقوه سبع وثلاثون قرية وكورة أخميم والدوير ثلاث وستون قرية وكورة السبابة والواحات ثلاث وستون قرية سوى الكفور وكورة هو عشرون قرية وكورة فاو ثمان قرى وكورة قنا سبع قرى وكورة دندرة عشر قرى وكورة قفط ثنتان وعشرون قرية وكورة الأقصر خمس قرى وكورة أسنا خمس قرى وكورة أرمنت سبع قرى وكورة أسوان سبع قرى فجميع قرى الصعيد ألف وثلاثون وأربعون قرية سوى المنى والكفور في ثلاثين كورة.
كورة أسفل الأرض: الحوف الشرقيّ خمس وستون قرية كورة أتريب مائة وثمان قرى سوى المنى والكفور كورة بنو سبع وثمانون قرية سوى المنى والكفور كورة نما مائة وخمسون قرية سوى المنى والكفور كورة بسطة تسع وثلاثون قرية كورة طرابية ثمان وعشرون قرية منها: السدير والهامة وفاقوس كورة هربيط ثمان عشرة قرية سوى المنى والكفور كورة صا وإبليل ست وأربعون قرية منها: سنهور والفرما والعريش.
فجميع قرى الحوف الشرقي خمسمائة وتسع وعشرون قرية سوى المنى في سبع كور.
بطن الريف كورتادمسيس ومنوف مائة وأربع قرى سوى المنى والكفور.
كورة تاطورة منوف اثنتان وسبعون قرية سوى المنى والكفور كورة سخا مائة وخمس عشرة قرية كورة بيدة والأفراحون ثلاث وعشرون قريّة سوى المنى والكفور كورة البشرود أربع وعشرون قرية كورة نفر اثنتا عشرة قرية سوى المنى كورة ببا وبوصير ثمان وثمانون قرية سوى المنى والكفور كورة سمنود مائة وثمان وعشرون قرية سوى المنى والكفور كورة نوسا إحدى وعشرون قرية سوى المنى كورة الأوسية أربعون قرية سوى المنى كورة النجوم أربعون قرية سوى المنى تنيس ودمياط ثلاث عشرة قرية سوى المنى وهي شيء كثير.
الإسكندرية الحوف الغربي: كورة صا ثلاث وسبعون قرية سوى المنى والكفور كورة شباس اثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور كورة اليدقون ثلاث وأربعون قرية سوى المنى والكفور حيز اليدقون تسع وعشرون قرية سوى المنى والكفور الشراك تسع قرى كورة ترنوط ثمان قرى كورة خربتا اثنا وستون قرية سوى المنى والكفور كورة قرطسا اثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور كورتا مصيل والمليدس تسع وأربعون قرية سوى المنى كورتا احنور ورشيد سبع عشرة قرية البحيرا والحصص بالإسكندرية والكرومات والبعل ومريوط ومدينة الإسكندرية ولويبه ومراقبه مائة وأربع وعشرون قرية سوى المنى.
فالحوف الغربيّ: أربعمائة قال المُسبِّحي في تاريخه: تصير قرى مصر أسفل الأرض ألفًا وأربعمائة وتسعًا وثلاثين قرية ويكون جميع ذلك بالصعيد وأسفل الأرض ألفين وثلثمائة وخمسًا وتسعين قرية.
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي: أرض مصر قسمين: فمن ذلك صعيدها وهو ما يلي: مهب الجنوب منها وأسفل أرضها وهو ما يلي: مهب الشمال منها فقسم الصعيد على ثمان وعشرين كورة فمن ذلك كورة الفيوم كلها وكورتا منف ووسيم وكورة الشرقية وكورتا دلاص وأبوصير وكورة أهناس وكورتا الفشن والبهنسا وكورة طحا وحيز سنودة وكورة بويط وكورتا الأشمونين وأسفل أنصنا وأعلاها وشطب قوص قام وكورة سيوط وكورة قهقوه وكورتا أخميم والدير وأبشاية وكورة هوّ وأقنا وفاو وَدندرة وكورة قفط والأقصر وكورة اسنا وارمنت وكورة أسوان.
فهذه كور الصعيد ومن ذلك كور أسفل الأرض وهي خمس وعشرون كورة.
وفي نسخة: ثلاثَ وثلاثون كورة وفي نسخة: ثمان وثلاثون كورة فمن ذلك: كورة الجوف الشرقي: كورتا اتريب وعين شمس وكورتا بني ونمى وكورتا بسطه وطرابية وكورة هربيط وكورة صا وإبليل وكورة الفرما والعريش والجفار ومن ذلك: كور بطن الريف من أسفل الأرض كورة ببا وبوصير وكورتا سمنود وبوسا وكورتا الأوسية والنجوم وكورة دقملة وكورتا تنيس ودمياط.
ومنها: كورة الجزيرة من أسفل الأرض وكورة دمسيس ومنوف وكورة طوه ومنوف وكورة سخا وبيدة والأفراحون وكورة مقين وديصا وكورة البشرود.
ومن ذلك كور الحوف الغربيّ: كورة صا وكورة شباس وكورة اليدقون وحيزها وكورة الخيس والشراك وكورة خربتا وكورة قرطسا ومصيل والمليدس وكورتا اخنا والبحيرة ورشيد وكورة الإسكندرية وكورة مريوط وكورة لويبة ومراقية.
ومن كور القبلة: كرى الحجاز وهي: كورة الطور وفاران وكورة راية والقلزم وكورة ايلة وحيزها ومدين وحيزها والعونيد والحوراء وحيزها ثم كورة بدا أو شغب.
وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الديوان أنه وقف على جريدة عتيقة بخط ابن عيسى بقطر بن شغا الكاتب القبطيّ المعروف: بالبولس متولي خراج مصر للدولة الإخشيدية.
يشتمل على ذكر كور مصر وقراها إلى سنة خمس وأربعين وثلثمائة إن قرى مصر بالصعيدين وأسفل الأرض ألفان وثلثمائة وخمس وتسعون قرية منها بالصعيد: تسعمائة وست وخمسون قرية وبأسفل الأرض: ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية وهذا عددها في الوقت الذي جرّدت فيه الجرائد المذكورة وقد تغيرت بعد ذلك بخراب ما خرب منها.
وقال ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد رضي الله عنه: لما ولي الوليد بن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها وينظر في تعديل الخراج عليهم فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الكتاب والأعوان يكفونه ذلك بجدّ وتشمير وثلاثة أشهر بأسفل الأرض وأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية فلم يحصر في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين تفرض عليهم الجزية يكون جملة ذلك خمسة آلاف ألف رجل.
والذي استقرّ عليه الحال في دولة الناصر محمد بن قلاوون أن الوجه القبلي ستة أعمال وهي من عمل قوص وهو أجلها ومنه أسوان وغرب قوله وعمل أخميم وعمل أسيوط وعمل منفلوط وعمل الأشمونين وبها الطحاوية وعمل البهنساوية الغربيّ وهو عبارة عن قرى على غربي المنهي المارّ إلى الفيوم وعمل الفيوم وعمل أطفيح وعمل الجيزة.
والوجه البحري ستة أعمال: عمل البحيرا وهو متصل البرّ بالإسكندرية وبرقة وعمل الغربية جزيرة واحدة يشتمل عليها ما بين البحرين وهما البحر المارّ مسكبه عند دمياط ويسمى الشرقيّ والبحر الثاني مسكبه عند رشيد ويسمى الغربي والمنوفية ومنها: ابيار وجزيرة بني نصر وعمل قليوب وعمل الشرقية وعمل أسموم طناح ومنها: الدقهلية والمرتاحية وهناك موقع ثغر البرلس وثغر رشيد والمنصورة وفي هذا الوجه الإسكندرية ودمياط ولا عمل لهما.
وأما الواحات: فمنقطعة وراء الوجه القبلي مغاربة لم تعدّ في الولايات ولا في الأعمال ولا يحكم عليها والي السلطان وإنما يحكم عليها من قبل مقطعها واللّه تعالى أعلم.
ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته قال ابن عبد الحكم عن يزبد بن أبي حبيب: وكانت فريضة مصر بحفر خليجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفًا.
معهم المساحي والطوريات والأداة يعتقبون ذلك لا يدعونه شتاء ولا صيفًا.
وعن أبي قبيل قال: زعم بعض مشايخ أهل مصر: أن الذي كان يعمل به مصر على عهد ملوكها أنهم كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها كل قرية بكراء معلوم لا ينقص عنهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ وتنقل اليسار فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك وعدّل تعديلًا جديدًا فيرفق بمن استحق الرفق ويزاد على من احتمل الزيادة ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم فإذا جُبي الخراج وجمع كان للملك من ذلك الربع خالصًا لنفسه يصنع به ما يريد والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه والربع الثالث في مصلحة الأرض وما تحتاج إليه من جسورها وحفر خلجها وبناء قناطرها والقوّة للزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها فيدفن ذلك لنائبة تنزل أو جائحة بأهل القرية فكانوا على ذلك والذي يدفن في كل قرية من خراجها هي: كنوز فرعون التي يتحدّث الناس بها أنها ستظهر فيطلبها الذين يتتبعون الكنوز.
وذكر أن بعض فراعنة مصر جبى خراج مصر اثنين وسبعين ألف ألف دينار وأن من عمارته أنه أرسل ويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى الصعيد في وقت تنظيف الأرض والترع من العمارة فلم يوجد لها أرض فارغة تزرع فيها وذكر أنه كان عند تناهي العمارة يرسل بأربع ويبات برسيم إلى الصعيد وإلى أسفل الأرض وإلى أيّ كورة فإن وجد لها موضعًا خاليًا فزرعت فيه ضرب عنق صاحب الكورة وكانت مصر يومئذ عمارتها متصلة أربعين فرسخًا في مثلها والفرسخ: ثلاثة أميال والبريد: أربعة فراسخ فتكون عشرة برد في مثلها ولم تزل الفراعنة تسلك هذا المسلك إلى أيام فرعون موسى فإنه عمرها عدلًا وسماحة وتتابع الظمأ ثلاث سنين في أيامه فترك لأهل مصر خراج ثلاث سنين وأنفق على نفسه وعساكره من خزائنه ولما كان في السنة الرابعة أضعف الخراج واستمرّ فاعتاض ما أنفق وكتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى عمرو بن العاص رضي اللّه عنه: أن اسئل المقوقس عن مصر من أين تأتي عمارتها وخرابها.
فسأله عمرو فقال له المقوقس: عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم ويرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم ويحفر في كل سنة خلجانها وتسدّ ترعها وجسورها ولا يقبل مطل أهلها يريد البغي فإذا فعل هذا فيها أ عمرت وإن عمل فيها بخلافه خربت.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما استبطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص رضي اللّه عنه في الخراج كتب إليه: أن ابعث إليّ رجلًا من أهل مصر فبعث إليه رجلًا قديمًا من القبطة فاستخبره عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن مصر وخراجها قبل الإسلام فقال: يا أمير المؤمنين مصر كان لا يؤخذ منها شيء إلا بعد عمارتها وعاملك لا ينظر إلى العمارة وإنما يأخذ ما ظهر له كأنه لا يريدها إلا لعام واحد فعرف عمر رضي اللّه عنه ما قال وقبل من عمرو ما كان يعتذر به.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه للمقوقس: أنت وليت مصر فبم تكون عمارتها فقال: بخصال أن تحفروا خلجانها وتسدّ جسورها وترعها ولا يؤخذ خراجها إلا من غلتها ولا يقبل مطل أهله ويوفي لهم بالشروط ويمر الأرزاق على العمال لئلا يرتشوا ويرتفع عن أهله المعاون ويقال: إن ملوك مصر من القبط كانوا يقسمون الخراج أربعة أقسام: قسم لخاصة الملك وقسم لأرزاق الجند وقسم لمصالح الأرض وقسم يدخر لحادثة تحدث فينفق فيها.
ولما ولي عبيد الله بن الحبحاب خراج مصر لهشام بن عبد الملك خرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها وغامرها مما يركبه النيل فوجد فيها مائة ألف ألف فدّان والباقي استبحر وتلف واعتبر مدّة الحرث فوجدها ستين يومًا والحرّاث يحرث خمسين فدّانًا وكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وثمانين ألف حراث.
ذكر مقدار خراج مصر في الزمن الأوّل
قال ابن وصيف شاه: وكان منقاوس قسم خراج البلاد أرباعًا فربع للملك خاصة يعمل فيه ما يريد وربع ينفق في مصالح الأرض وما تحتاج إليه من عمل الجسور وحفر الخلج وتقوية أهلها على العمارة وربع يدفن لحادثة تحدث أو نازلة تنزل وربع للجند وكان خراج البلد ذلك الوقت مائة ألف ألف وثلاثة آلاف ألف دينار وقسمها على مائة وثلاث كور بعدّة الآلاف.
ويقال: إن كل دينار عشرة مثاقيل من مثاقيلنا الإسلامية وهي اليوم: خمس وثمانون كورة.
أسفل الأرض: خمس وأربعون كورة والصعيد: أربعون كورة وفي كل كورة كاهن يدبرها وصاحب حرب وارتفع مال البلد على يد ندارس بن صا مائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف دينار وفي أيام كلكن بن خربتا بن ماليق بن ندارس مائة ألف ألف دينار وبضعة عشر ألف ألف دينار ولما زالت دولة القبط الأولى من مصر وملكها العمالقة اختل أمرها وكان فرعون الأوّل يجبيها تسعين ألف ألف دينار يخرج من ذلك عشرة آلاف ألف دينار لأولياء الأمر والجند والكتَّاب وعشرة آلاف ألف دينار لمصالح فرعون ويكنزون لفرعون خمسين ألف ألف وبلغ خراج مصر في أيام الريان بن الوليد وهو فرعون يوسف عليه السلام سبعة وتسعين ألف ألف دينار فأحب أن يتمه مائة ألف ألف دينار فأمر بوجوه العمارات وإصلاح جسور البلد والزيادة في استنباط الأرض حتى بلغ ذلك وزاد عليه.
وقال ابن دحية: وجُبيت مصر في أيام الفراعنة فبلغت تسعين ألف ألف دينار بالدينار الفرعونيّ وهو ثلاثة مثاقيل في مثقالنا المعروف الآن بمصر الذي هو: أربعة وعشرون قيراطًا كل قيراط: ثلاث حبات من قمح فيكون بحساب ذلك مائتي ألف ألف وسبعين ألف ألف دينار مصرية.
وذكر الشريف الجوَّاني: أنه وجد في بعض البرابي بالصعيد مكتوبًا باللغة الصعيدية مما نقل بالعربية مبلغ ما كان يستخرج لفرعون يوسف عليه السلام وهو الريان بن الوليد من أموال مصر بحق الخراج مما يوجبه الخراج وسائر وجوه الجبايات لسنة واحدة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية من غير تأوّل ولا اضطهاد ولا مشاحة على عظيم فضل كان في يد المؤدي لرسمه وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان نظرًا للعاملين وتقوية لحالهم من العين أربعة وعشرون ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار وذكر ما فيه كما في خبر الحسن بن علي الأسدي.
وقال الحسن بن علي الأسدي: أخبرني أبي قال: وجدت في كتاب قبطي باللغة الصعيدية مما نقل إلى اللغة العربية أن مبلغ ما كان يستخرج لفرعون مصر بحق الخراج الذي يوجد وسائر وجوه الجبايات لسنة كاملة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية من غير اضطهاد ولا مناقشة على عظيم فضل كان في يد المؤدي لرسمه وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان رفقًا بالمعاملين وتقوية لهم من العين أربعة وعشرين ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار من جهات مصر وذلك ما يصرف في عمارة البلاد لحفر الخلج وإتقان الجسور وسد الترع وإصلاح السبل والساسة ثم في تقوية من يحتاج التقوية من غير رجوع عليه بها لإقامة العوامل والتوسعة في البدار وغير ذلك وثمن الآلات وأجرة من يستعان به من الأجراء لحمل الأصناف وسائر نفقات تطريق أراضيهم من العين ثمانمائة ألف دينار ولما يصرف في أرزاق الأولياء الموسومين بالسلاح وحملته والغلمان وأشياعهم مع ألف كاتب موسومين بالدواوين سوى أتباعهم من الخزان ومن يجري مجراهم وعدّتهم مائة ألف وأحد عشر ألف رجل من العين ثمانية آلاف ألف دينار ولما يصرف في الأرامل والأيتام فرضًا لهم من بيت المال وإن كانوا غير محتاجين إليه حتى لا تخلو آمالهم من برّ يصل إليهم من العين أربعمائة ألف دينار ولما يصرف في كهنة برابيهم وأئمتهم وسائر بيوت صلواتهم من العين مائة ألف دينار ولما يصرف في الصدقات وينادى في الناس: برئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة فليحضر فلا يرد عند ذلك أحد والأمناء جلوس فإذا رؤي رجل لم تجر عادته بذلك أفرد بعض قبض ما يقبضه حتى إذا فُرّق المال واجتمع من هذه الطائفة عدة دخل أمناء فرعون إليه وهنوه بتفرقة المال ودعوا له بالبقاء والسلامة وأنهوا حال الطائفة المذكورة فيأمر بتغيير شعثها بالحمام واللباس وبمدّ الأسمطة ويأكلون ويشربون ثم يستعلم من كل واحد سبب فاقته فإن كان من آفة الزمان ردّ عليه مثل ما كان وأكثر وإن كان عن سوء رأي وضعف تدبير ضمه إلى من يشرف عليه ويقوم بالأمر الذي يصلح له من العين مائتا ألف دينار.
فذلك جملة ما تبين وفصل في هذه الجهات المذكورة من العين تسعة آلاف ألف وثمانمائة ألف دينار ويحصل بعد ذلك ما يتسلمه فرعون في بيوت أمواله عدة لنوائب الدهر وحادثات الزمان من العين أربعة عشر ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار.
وقيل لبعضهم: متى عقدت مصر تسعين ألف ألف دينار قال: في الوقت الذي أرسل فرعون بويبة قمح إلى أسفل الأرض إلى الصعيد فلم يجد لها موضعًا تبذر فيه لشغل جميع البلاد بالعمارة.
قال المسعوديّ: وقد كانت أرض مصر على ما زعم أهل الخبرة والعناية بأخبار شأن العالم يركب أرضها ماء النيل وينبسط على بلاد الصعيد إلى أسفل الأرض وموضع الفسطاط في وقتنا هذا وكان بدء ذلك من موضع يعرف: بالجنادل بين أسوان والنوبة إلى أن عرض لذلك موانع من انتقال الماء وجريانه وما يتصل من النوبة بتياره من موضع إلى موضع فنضب الماء عن بعض المواضع من بلاد مصر وسكن الناس بلاد مصر ولم يزل الماء ينضب عن أرضها قليلًا قليلًا حتى امتلأت أرض مصر من المدن والعمائر وطرّقوا للماء وحفروا له الخلجان وعقدوا في وجهه المسببات إلى أن خفي ذلك على ساكنيها لأنّ طول الزمان ذهب بمعرفة أوّل سكناهم كيف كان انتهى.
قلت: ومما ذكر أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية: أن أرض مصر كان النيل ينبسط عليها فيطبقها كأنها بحر ولم يزل الماء ينضب عنها وييبس ما علا منها أوّلًا فأوّلًا ويسكن إلى أن امتلأت بالمدن والقرى والناس.
ويقال: إن الناس كانوا قبل سكنى مدينة منف يسكنون بسفح الجبل المقطم في منازل كثيرة نقروها وهي المغاير التي في الجبل المقابل لمنف من قبليّ المقطم في الجبل المتصل بدير القصير الذي يعرف: بدير البغل المطل على ناحية طرى ومن وقف عند أهرام نهيار أي المغائر في الشرقي وبينهما النيل ومن صعد من طرا إلى الجبل وسار فيه دخلها وهي: مغاير متسعة وفيها مغائر تنفذ إلى القلزم تسع المغارة منها أهل مدينة وإذا دخلها أحد ولم يهتد على ما يدله على المخرج هلك في تحيره ويقال: كانت مصر جرداء لا نبات بها فأقطعها متوشلح بن أخنوخ بن يَازْد بن مهلاييل بن فتيان بن أنوس بن شيث بن آدم لطائفة من أولاده فلما نزلوها وجدوا نيلها قد سدّ ما بين الجبلين فنضب الماء عن أرض زروعها فأخرجت الأرض بركاتها ثم بعد زمان أخذها عنقام الأوّلى بن عرياب بن آدم بالغلبة ونسل بها خلقًا عظيمًا وجهز لقتال أولاد يزد سبعين ألف مقاتل وحفر من البحر إلى الجبل نهرًا عرضه أربعون قصبة ليمنع من يأتيه فأتاه بنو يزد فلم يجدوا إليه سبيلًا ففزعوا إلى اللّه تعالى فبعث على أرض مصر نارًا.
ذكر أعمال الديار المصرية وكورها اعلم أن أرض مصر كانت في الزمن الأوّل الغابر مائة وثلاثًا وخمسين كورة في كل كورة مدينة وثلثمائة وخمس وستون كورة فلما عمرت أرض مصر بعد بخت نصر صارت على خمس وثمانين كورة ثم تناقصت حتى جاء الإسلام وفيها أربعون عامرة بجميع قراها لا تنقص شيئًا ثم استقرّت أرض مصرها كلها في الجملة على قسمين: الوجه القبلي: وهو ما كان في جهة الجنوب من مدينة مصر.
والوجه البحري: وهو ما كان في شمال مدينة مصر.
وقد قسمت الأرض جميعها قبليها وبحريها على ستة وعشرين عملًا وهي: الشرقية والمرتاحية والد قهلية والإيوانية وثغر دمياط.
الوجه البحري: جزيرة قويسنا والغربية والسمنودية والدنجاوية والمنوفية والستراوية وفوّه والمزاحمتين وجزيرة بني نصر والبحيرة وإسكندرية وضواحيها وحوف دمسيس.
والوجه القبلي: الجيزة والأطفيحية والبوصيرية والفيومية والبهنساوية والأشمونين والمنفلوطية والأسيوطية والأخميمية والقوصية.
وهي أيضًا ثلاثون كورة وهي: كورة الفيوم وفيها مائة وست وخمسون قرية ويقال: إنها كانت ثلثمائة وستين قرية وكورة منف ووسيم خمس وخمسون قرية وكورة الشرقية وتعرف بالأطفيحية سبع عشرة قرية وقرى أهناس ومنه: قمن ثماني قرى وكور تادلاص وبوصير ست قرى وكورة أهناس خمس وتسعون قرية سوى الكفور وكورة البهنسا مائة وعشرون قرية وكورة الفشن سبع وثلاثون قرية وكورة طحا سبع وثلاثون قرية وحوز سنودة ثمان قرى وكورة الأشمونين مائة وثلاث وثلاثون قرية وكورة أسفل انصنا إحدى عشرة قرية وكورة سيوط سبع وثلاثون قرية وكورة شطب ثمان قرى وكورة أعلا أنصنا ثنتا عشرة قرية وكورة قهقوه سبع وثلاثون قرية وكورة أخميم والدوير ثلاث وستون قرية وكورة السبابة والواحات ثلاث وستون قرية سوى الكفور وكورة هو عشرون قرية وكورة فاو ثمان قرى وكورة قنا سبع قرى وكورة دندرة عشر قرى وكورة قفط ثنتان وعشرون قرية وكورة الأقصر خمس قرى وكورة أسنا خمس قرى وكورة أرمنت سبع قرى وكورة أسوان سبع قرى فجميع قرى الصعيد ألف وثلاثون وأربعون قرية سوى المنى والكفور في ثلاثين كورة.
كورة أسفل الأرض: الحوف الشرقيّ خمس وستون قرية كورة أتريب مائة وثمان قرى سوى المنى والكفور كورة بنو سبع وثمانون قرية سوى المنى والكفور كورة نما مائة وخمسون قرية سوى المنى والكفور كورة بسطة تسع وثلاثون قرية كورة طرابية ثمان وعشرون قرية منها: السدير والهامة وفاقوس كورة هربيط ثمان عشرة قرية سوى المنى والكفور كورة صا وإبليل ست وأربعون قرية منها: سنهور والفرما والعريش.
فجميع قرى الحوف الشرقي خمسمائة وتسع وعشرون قرية سوى المنى في سبع كور.
بطن الريف كورتادمسيس ومنوف مائة وأربع قرى سوى المنى والكفور.
كورة تاطورة منوف اثنتان وسبعون قرية سوى المنى والكفور كورة سخا مائة وخمس عشرة قرية كورة بيدة والأفراحون ثلاث وعشرون قريّة سوى المنى والكفور كورة البشرود أربع وعشرون قرية كورة نفر اثنتا عشرة قرية سوى المنى كورة ببا وبوصير ثمان وثمانون قرية سوى المنى والكفور كورة سمنود مائة وثمان وعشرون قرية سوى المنى والكفور كورة نوسا إحدى وعشرون قرية سوى المنى كورة الأوسية أربعون قرية سوى المنى كورة النجوم أربعون قرية سوى المنى تنيس ودمياط ثلاث عشرة قرية سوى المنى وهي شيء كثير.
الإسكندرية الحوف الغربي: كورة صا ثلاث وسبعون قرية سوى المنى والكفور كورة شباس اثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور كورة اليدقون ثلاث وأربعون قرية سوى المنى والكفور حيز اليدقون تسع وعشرون قرية سوى المنى والكفور الشراك تسع قرى كورة ترنوط ثمان قرى كورة خربتا اثنا وستون قرية سوى المنى والكفور كورة قرطسا اثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور كورتا مصيل والمليدس تسع وأربعون قرية سوى المنى كورتا احنور ورشيد سبع عشرة قرية البحيرا والحصص بالإسكندرية والكرومات والبعل ومريوط ومدينة الإسكندرية ولويبه ومراقبه مائة وأربع وعشرون قرية سوى المنى.
فالحوف الغربيّ: أربعمائة قال المُسبِّحي في تاريخه: تصير قرى مصر أسفل الأرض ألفًا وأربعمائة وتسعًا وثلاثين قرية ويكون جميع ذلك بالصعيد وأسفل الأرض ألفين وثلثمائة وخمسًا وتسعين قرية.
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي: أرض مصر قسمين: فمن ذلك صعيدها وهو ما يلي: مهب الجنوب منها وأسفل أرضها وهو ما يلي: مهب الشمال منها فقسم الصعيد على ثمان وعشرين كورة فمن ذلك كورة الفيوم كلها وكورتا منف ووسيم وكورة الشرقية وكورتا دلاص وأبوصير وكورة أهناس وكورتا الفشن والبهنسا وكورة طحا وحيز سنودة وكورة بويط وكورتا الأشمونين وأسفل أنصنا وأعلاها وشطب قوص قام وكورة سيوط وكورة قهقوه وكورتا أخميم والدير وأبشاية وكورة هوّ وأقنا وفاو وَدندرة وكورة قفط والأقصر وكورة اسنا وارمنت وكورة أسوان.
فهذه كور الصعيد ومن ذلك كور أسفل الأرض وهي خمس وعشرون كورة.
وفي نسخة: ثلاثَ وثلاثون كورة وفي نسخة: ثمان وثلاثون كورة فمن ذلك: كورة الجوف الشرقي: كورتا اتريب وعين شمس وكورتا بني ونمى وكورتا بسطه وطرابية وكورة هربيط وكورة صا وإبليل وكورة الفرما والعريش والجفار ومن ذلك: كور بطن الريف من أسفل الأرض كورة ببا وبوصير وكورتا سمنود وبوسا وكورتا الأوسية والنجوم وكورة دقملة وكورتا تنيس ودمياط.
ومنها: كورة الجزيرة من أسفل الأرض وكورة دمسيس ومنوف وكورة طوه ومنوف وكورة سخا وبيدة والأفراحون وكورة مقين وديصا وكورة البشرود.
ومن ذلك كور الحوف الغربيّ: كورة صا وكورة شباس وكورة اليدقون وحيزها وكورة الخيس والشراك وكورة خربتا وكورة قرطسا ومصيل والمليدس وكورتا اخنا والبحيرة ورشيد وكورة الإسكندرية وكورة مريوط وكورة لويبة ومراقية.
ومن كور القبلة: كرى الحجاز وهي: كورة الطور وفاران وكورة راية والقلزم وكورة ايلة وحيزها ومدين وحيزها والعونيد والحوراء وحيزها ثم كورة بدا أو شغب.
وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الديوان أنه وقف على جريدة عتيقة بخط ابن عيسى بقطر بن شغا الكاتب القبطيّ المعروف: بالبولس متولي خراج مصر للدولة الإخشيدية.
يشتمل على ذكر كور مصر وقراها إلى سنة خمس وأربعين وثلثمائة إن قرى مصر بالصعيدين وأسفل الأرض ألفان وثلثمائة وخمس وتسعون قرية منها بالصعيد: تسعمائة وست وخمسون قرية وبأسفل الأرض: ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية وهذا عددها في الوقت الذي جرّدت فيه الجرائد المذكورة وقد تغيرت بعد ذلك بخراب ما خرب منها.
وقال ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد رضي الله عنه: لما ولي الوليد بن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها وينظر في تعديل الخراج عليهم فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الكتاب والأعوان يكفونه ذلك بجدّ وتشمير وثلاثة أشهر بأسفل الأرض وأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية فلم يحصر في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين تفرض عليهم الجزية يكون جملة ذلك خمسة آلاف ألف رجل.
والذي استقرّ عليه الحال في دولة الناصر محمد بن قلاوون أن الوجه القبلي ستة أعمال وهي من عمل قوص وهو أجلها ومنه أسوان وغرب قوله وعمل أخميم وعمل أسيوط وعمل منفلوط وعمل الأشمونين وبها الطحاوية وعمل البهنساوية الغربيّ وهو عبارة عن قرى على غربي المنهي المارّ إلى الفيوم وعمل الفيوم وعمل أطفيح وعمل الجيزة.
والوجه البحري ستة أعمال: عمل البحيرا وهو متصل البرّ بالإسكندرية وبرقة وعمل الغربية جزيرة واحدة يشتمل عليها ما بين البحرين وهما البحر المارّ مسكبه عند دمياط ويسمى الشرقيّ والبحر الثاني مسكبه عند رشيد ويسمى الغربي والمنوفية ومنها: ابيار وجزيرة بني نصر وعمل قليوب وعمل الشرقية وعمل أسموم طناح ومنها: الدقهلية والمرتاحية وهناك موقع ثغر البرلس وثغر رشيد والمنصورة وفي هذا الوجه الإسكندرية ودمياط ولا عمل لهما.
وأما الواحات: فمنقطعة وراء الوجه القبلي مغاربة لم تعدّ في الولايات ولا في الأعمال ولا يحكم عليها والي السلطان وإنما يحكم عليها من قبل مقطعها واللّه تعالى أعلم.
ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط ماء النيل وتصريفه في أوقاته قال ابن عبد الحكم عن يزبد بن أبي حبيب: وكانت فريضة مصر بحفر خليجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفًا.
معهم المساحي والطوريات والأداة يعتقبون ذلك لا يدعونه شتاء ولا صيفًا.
وعن أبي قبيل قال: زعم بعض مشايخ أهل مصر: أن الذي كان يعمل به مصر على عهد ملوكها أنهم كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها كل قرية بكراء معلوم لا ينقص عنهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ وتنقل اليسار فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك وعدّل تعديلًا جديدًا فيرفق بمن استحق الرفق ويزاد على من احتمل الزيادة ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم فإذا جُبي الخراج وجمع كان للملك من ذلك الربع خالصًا لنفسه يصنع به ما يريد والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه والربع الثالث في مصلحة الأرض وما تحتاج إليه من جسورها وحفر خلجها وبناء قناطرها والقوّة للزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها فيدفن ذلك لنائبة تنزل أو جائحة بأهل القرية فكانوا على ذلك والذي يدفن في كل قرية من خراجها هي: كنوز فرعون التي يتحدّث الناس بها أنها ستظهر فيطلبها الذين يتتبعون الكنوز.
وذكر أن بعض فراعنة مصر جبى خراج مصر اثنين وسبعين ألف ألف دينار وأن من عمارته أنه أرسل ويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى الصعيد في وقت تنظيف الأرض والترع من العمارة فلم يوجد لها أرض فارغة تزرع فيها وذكر أنه كان عند تناهي العمارة يرسل بأربع ويبات برسيم إلى الصعيد وإلى أسفل الأرض وإلى أيّ كورة فإن وجد لها موضعًا خاليًا فزرعت فيه ضرب عنق صاحب الكورة وكانت مصر يومئذ عمارتها متصلة أربعين فرسخًا في مثلها والفرسخ: ثلاثة أميال والبريد: أربعة فراسخ فتكون عشرة برد في مثلها ولم تزل الفراعنة تسلك هذا المسلك إلى أيام فرعون موسى فإنه عمرها عدلًا وسماحة وتتابع الظمأ ثلاث سنين في أيامه فترك لأهل مصر خراج ثلاث سنين وأنفق على نفسه وعساكره من خزائنه ولما كان في السنة الرابعة أضعف الخراج واستمرّ فاعتاض ما أنفق وكتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى عمرو بن العاص رضي اللّه عنه: أن اسئل المقوقس عن مصر من أين تأتي عمارتها وخرابها.
فسأله عمرو فقال له المقوقس: عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم ويرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم ويحفر في كل سنة خلجانها وتسدّ ترعها وجسورها ولا يقبل مطل أهلها يريد البغي فإذا فعل هذا فيها أ عمرت وإن عمل فيها بخلافه خربت.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما استبطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص رضي اللّه عنه في الخراج كتب إليه: أن ابعث إليّ رجلًا من أهل مصر فبعث إليه رجلًا قديمًا من القبطة فاستخبره عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن مصر وخراجها قبل الإسلام فقال: يا أمير المؤمنين مصر كان لا يؤخذ منها شيء إلا بعد عمارتها وعاملك لا ينظر إلى العمارة وإنما يأخذ ما ظهر له كأنه لا يريدها إلا لعام واحد فعرف عمر رضي اللّه عنه ما قال وقبل من عمرو ما كان يعتذر به.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه للمقوقس: أنت وليت مصر فبم تكون عمارتها فقال: بخصال أن تحفروا خلجانها وتسدّ جسورها وترعها ولا يؤخذ خراجها إلا من غلتها ولا يقبل مطل أهله ويوفي لهم بالشروط ويمر الأرزاق على العمال لئلا يرتشوا ويرتفع عن أهله المعاون ويقال: إن ملوك مصر من القبط كانوا يقسمون الخراج أربعة أقسام: قسم لخاصة الملك وقسم لأرزاق الجند وقسم لمصالح الأرض وقسم يدخر لحادثة تحدث فينفق فيها.
ولما ولي عبيد الله بن الحبحاب خراج مصر لهشام بن عبد الملك خرج بنفسه فمسح أرض مصر كلها عامرها وغامرها مما يركبه النيل فوجد فيها مائة ألف ألف فدّان والباقي استبحر وتلف واعتبر مدّة الحرث فوجدها ستين يومًا والحرّاث يحرث خمسين فدّانًا وكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وثمانين ألف حراث.
ذكر مقدار خراج مصر في الزمن الأوّل
قال ابن وصيف شاه: وكان منقاوس قسم خراج البلاد أرباعًا فربع للملك خاصة يعمل فيه ما يريد وربع ينفق في مصالح الأرض وما تحتاج إليه من عمل الجسور وحفر الخلج وتقوية أهلها على العمارة وربع يدفن لحادثة تحدث أو نازلة تنزل وربع للجند وكان خراج البلد ذلك الوقت مائة ألف ألف وثلاثة آلاف ألف دينار وقسمها على مائة وثلاث كور بعدّة الآلاف.
ويقال: إن كل دينار عشرة مثاقيل من مثاقيلنا الإسلامية وهي اليوم: خمس وثمانون كورة.
أسفل الأرض: خمس وأربعون كورة والصعيد: أربعون كورة وفي كل كورة كاهن يدبرها وصاحب حرب وارتفع مال البلد على يد ندارس بن صا مائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف دينار وفي أيام كلكن بن خربتا بن ماليق بن ندارس مائة ألف ألف دينار وبضعة عشر ألف ألف دينار ولما زالت دولة القبط الأولى من مصر وملكها العمالقة اختل أمرها وكان فرعون الأوّل يجبيها تسعين ألف ألف دينار يخرج من ذلك عشرة آلاف ألف دينار لأولياء الأمر والجند والكتَّاب وعشرة آلاف ألف دينار لمصالح فرعون ويكنزون لفرعون خمسين ألف ألف وبلغ خراج مصر في أيام الريان بن الوليد وهو فرعون يوسف عليه السلام سبعة وتسعين ألف ألف دينار فأحب أن يتمه مائة ألف ألف دينار فأمر بوجوه العمارات وإصلاح جسور البلد والزيادة في استنباط الأرض حتى بلغ ذلك وزاد عليه.
وقال ابن دحية: وجُبيت مصر في أيام الفراعنة فبلغت تسعين ألف ألف دينار بالدينار الفرعونيّ وهو ثلاثة مثاقيل في مثقالنا المعروف الآن بمصر الذي هو: أربعة وعشرون قيراطًا كل قيراط: ثلاث حبات من قمح فيكون بحساب ذلك مائتي ألف ألف وسبعين ألف ألف دينار مصرية.
وذكر الشريف الجوَّاني: أنه وجد في بعض البرابي بالصعيد مكتوبًا باللغة الصعيدية مما نقل بالعربية مبلغ ما كان يستخرج لفرعون يوسف عليه السلام وهو الريان بن الوليد من أموال مصر بحق الخراج مما يوجبه الخراج وسائر وجوه الجبايات لسنة واحدة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية من غير تأوّل ولا اضطهاد ولا مشاحة على عظيم فضل كان في يد المؤدي لرسمه وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان نظرًا للعاملين وتقوية لحالهم من العين أربعة وعشرون ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار وذكر ما فيه كما في خبر الحسن بن علي الأسدي.
وقال الحسن بن علي الأسدي: أخبرني أبي قال: وجدت في كتاب قبطي باللغة الصعيدية مما نقل إلى اللغة العربية أن مبلغ ما كان يستخرج لفرعون مصر بحق الخراج الذي يوجد وسائر وجوه الجبايات لسنة كاملة على العدل والإنصاف والرسوم الجارية من غير اضطهاد ولا مناقشة على عظيم فضل كان في يد المؤدي لرسمه وبعد وضع ما يجب وضعه لحوادث الزمان رفقًا بالمعاملين وتقوية لهم من العين أربعة وعشرين ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار من جهات مصر وذلك ما يصرف في عمارة البلاد لحفر الخلج وإتقان الجسور وسد الترع وإصلاح السبل والساسة ثم في تقوية من يحتاج التقوية من غير رجوع عليه بها لإقامة العوامل والتوسعة في البدار وغير ذلك وثمن الآلات وأجرة من يستعان به من الأجراء لحمل الأصناف وسائر نفقات تطريق أراضيهم من العين ثمانمائة ألف دينار ولما يصرف في أرزاق الأولياء الموسومين بالسلاح وحملته والغلمان وأشياعهم مع ألف كاتب موسومين بالدواوين سوى أتباعهم من الخزان ومن يجري مجراهم وعدّتهم مائة ألف وأحد عشر ألف رجل من العين ثمانية آلاف ألف دينار ولما يصرف في الأرامل والأيتام فرضًا لهم من بيت المال وإن كانوا غير محتاجين إليه حتى لا تخلو آمالهم من برّ يصل إليهم من العين أربعمائة ألف دينار ولما يصرف في كهنة برابيهم وأئمتهم وسائر بيوت صلواتهم من العين مائة ألف دينار ولما يصرف في الصدقات وينادى في الناس: برئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة فليحضر فلا يرد عند ذلك أحد والأمناء جلوس فإذا رؤي رجل لم تجر عادته بذلك أفرد بعض قبض ما يقبضه حتى إذا فُرّق المال واجتمع من هذه الطائفة عدة دخل أمناء فرعون إليه وهنوه بتفرقة المال ودعوا له بالبقاء والسلامة وأنهوا حال الطائفة المذكورة فيأمر بتغيير شعثها بالحمام واللباس وبمدّ الأسمطة ويأكلون ويشربون ثم يستعلم من كل واحد سبب فاقته فإن كان من آفة الزمان ردّ عليه مثل ما كان وأكثر وإن كان عن سوء رأي وضعف تدبير ضمه إلى من يشرف عليه ويقوم بالأمر الذي يصلح له من العين مائتا ألف دينار.
فذلك جملة ما تبين وفصل في هذه الجهات المذكورة من العين تسعة آلاف ألف وثمانمائة ألف دينار ويحصل بعد ذلك ما يتسلمه فرعون في بيوت أمواله عدة لنوائب الدهر وحادثات الزمان من العين أربعة عشر ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار.
وقيل لبعضهم: متى عقدت مصر تسعين ألف ألف دينار قال: في الوقت الذي أرسل فرعون بويبة قمح إلى أسفل الأرض إلى الصعيد فلم يجد لها موضعًا تبذر فيه لشغل جميع البلاد بالعمارة.
مواضيع مماثلة
» العجائب التي كانت بمصر من الطلسمات والبرابي
» أسماء القبائل العربية سواء كانت قبيلة قديمة أو معاصرة
» هام جدا لاطلاع عليه خاصه للمترددين على سوق العطارة
» رحلة الحبيب صلى اله عليه وسلم إلى الطائف
» بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم
» أسماء القبائل العربية سواء كانت قبيلة قديمة أو معاصرة
» هام جدا لاطلاع عليه خاصه للمترددين على سوق العطارة
» رحلة الحبيب صلى اله عليه وسلم إلى الطائف
» بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى