أبيات المعاني والألغاز العربية
صفحة 1 من اصل 1
أبيات المعاني والألغاز العربية
وهذه نبذة من أبيات المعاني والألغاز العربية، وأتبعناها للحكم والأجوبة المسكتة للمناسبة الظاهرة، فإن الكل منشؤه الذكاء والفطنة، والألغاز وإن كانت كما قال المحققون "من" صنعة البطالين لا نريد أن نخلي الكتاب من شيء عنها لقصد التفنن والإحماض و"قد" تقدم شيء من أبيات المعاني "في الكتاب" ومن ذلك في الأنواء قول بعض السدوسيين:
إذا القوس وترها أيِّدٌ *** رمى فأصاب الكلى والذُّرا
يريد أن القوس أعني قوس قزح إذا وترها أي أقامها ونصبها على ما هي أيّد أي قوي، وهو الموكل بها، أو الفاعل المختار سبحانه رمى بالغيث فأصاب بالشحم كلى الأنعام وذُراها.
وفي صفة السيف قول الآخر:
وكنت إذا الإبريق أقعى على استه *** وظن نديم الشر أن ليس راويا
كررت عليه الكأس حتى كأنما *** يرى بالذي أسقيه منه الأفاعيا
الإبريق السيف لأنه يسقي الموت، وإقعاؤه على استه أن يأخذ بقائمه عند إرادة الضرب، ونديم الشر العدوّ، والكأس كأس الشّر.
وفي صفة الظل قول الآخر:
وصاحب غير ذي ظلٍ ولا نفَسٍ *** هيجته بسواء البيد، فاهتاجا
يريد بالصاحب ظله، فإنه لا ظل له، ولا نفس، وقد حركه بمشيئته فتحرك.
ونحوه قول الآخر:
وثنيّةٍ جاوزتها بثنيّةٍ *** حرْف يعارضها ثنيٌّ أدهم
فالثنية الأولى ثنيّة بالجبل، والثانية الناقة التي ذلك سِنُّها، والثني الآخر ظلها، وهو أدهم أي أسود.
وفي اللصوصية قول الآخر:
تعيرني ترك الرماية خُلّتي *** وما كل من يرمي الوحوش يَنالُها
فإلا أصادف غرة الوحش أقتنص *** من الإنسيات العظام جُفالها
أي إن لم أقتنص الوحش أسرق من الغنم العظام الجفال أي الصوف .
وقول الآخر:
توخّى بها مجرى سُهَيْلٍ وخلفه *** من الشام أعلام تطول وتقصر
فلما رأى أن النِّطافَ تعذرت *** رأى أن ذا الكلبين لا يتعذر
هذا لص طرد إبلًا فتوخى أي قصد بها مجرى سهيل، وهو اليمن، وترك الشام وأعلامه أي جباله خلفه تطول وتقصر في السراب فلما رأى أن النطاف أي المياه تعذرت في طريقه رأى أن ذا الكلبين أي سيفه، والكلبان مسماران في قائمه، لا يتعذر فينحر ويفتظ الكرش فيشرب ما فيه: وقول الآخر:
إنا وجدنا طرَدَ الهوامل *** خيرًا من التأنان والمسائل
وعِدّةِ العام وعام قابل *** ملقوحة في بطن ناب حامل
يقول: إن سرقة الإبل الهوامل "أي" التي لا راعي معها خير لنا من الأنين والتشكي وسؤال الناس، فهذا يردنا، وهذا بالعطاء في العام أو القابل جنينًا في بطن أمه.
وقول الآخر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى *** وصَوَّتَ إنسان فكدت أطير
درى الله إني للأنيس لمبغض *** ويقليه مني شاهد وضمير
وإني لأستحيي من الله أن أرى *** أطوف بحبل ليس فيه بعير
وأن أسأل المرء اللئيم بعيره *** وبُعرانُ ربي في البلاد كثير
هذا لص يستوحش من الناس لئلاّ يقبض، ثم زعم أنه يستحيي أن يأتي بحبل يسأل من يعطيه بعيرًا فيربطه به، وأن يسأل البخلاء وإبل الله كثيرة يسرقها.
وقول الآخر:
أيا بارح الجوزاء مالك لا ترى *** عيالك قد أمسوا مراميل جوعًا
البارح الريح الشديدة تهبّ في القيظ، فهو يطلبها فإذا سرق الإبل عفت أثره فلا يدرك، وجعل عياله عيالًا للريح لأنه يعولها به.
ومثله قول الآخر:
جزى الجوزاء عنّا الله خيرًا *** فقد أغنت عن الحبل الجذيم
أي أغنتنا بريحها فنأخذ ما شئنا ولا ندرك ولم نحتج إلى حبل جذيم أي مقطوع نأتي به صاحبًا يعطينا فيه بعيرًا.
وقول الآخر:
ألا يا جارتا بأُباضَ إنّي *** رأيت الريح خيرًا منك جارا
تغذينا إذا هبّت علينا *** وتملأ وجه ناظركم غبارا
أُباض كغراب قرية باليمامة ويقال: لم يرَ أطول من نخيلها فيقول هذا اللص لجاريته بها: إن الريح خير منكما، وذلك أنه يسرق التمر فإذا هبت الريح أسقطته له، وأعمت أربابه، فلا يرونه حتى يقضي منه أربه.
وقول الآخر:
خليليّ لا تستعجلا وتبينا *** بوادي حَبَوْني هل لهن زوال
ولا تيأسا من رحمة الله وادعوا *** بوادي حَبَوْنى أن تهب شَمال
أي فتعفي الأثر وتعمي عيون الرعاة فيأخذوا حاجتهم.
وفي "الأيام والليالي" قول الآخر:
مطايا يقربن البعيد وإن نأى *** وينقلن أشلاء الكريم إلى القبر
"وقبله:
سرينا وأدلجنا وصارت ركابنا *** تمرّ بنا في غير برّ ولا بحر
وما هي إلاّ ليلة ثمَّ يومها *** وحول إلى حول وشهر إلى شهر
ويُنكحْنَ أزواج الغَيورِ عدوه *** ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر"
وقول الآخر:
سبع رواحل ما ينخن من الوَجَى *** شوم تشاف بسبعة زهر
متواصلات لا الدءُوبُ يملها *** باقٍ تعاقبها مدى الدهر
سبع أي ليال، شوم أي سود، وسبعة زهر أي أيام.
وفي التعبير على أخذ الدية وترك القيام بالثأر قول الآخر:
غدا ورداؤه لَهِقٌ حُجير *** ورحت أجر ثَوْبيْ أرجوان
كلانا اختار فانظر كيف تبقى *** أحاديث الرجال على الزمان
أي غدا حجير يعني أخاه، ورداؤه لهق أي أبيض لم يقتل قاتليه، ورحت أنا بثوب أرجوان أي أحمر لقيامي بالثأر.
وقول الآخر:
إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه *** دم الشيخ فاشرب من دم الشيخ أو دعا
أي إذا تركت ثأرك في أبيك وأخذت الإبل فمتى صببت لبنًا من الشكوة فهو دم أبيك تشربه.
وقول الآخر:
عقوا بسهم فلم يشعر به أحد *** ثم استفاءوا وقالوا حبّذا الوَضَحُ
الوضَحُ اللبنَ وعقوا رموا بسهم يقال له العقيقة، وكانوا إذا كان لهم ثأر وجنحوا إلى الصلح يأخذون سهمًا فيقولون: بيننا وبين إلهنا علامة، وهي أن نرمي هذا السهم، فإن رجع مضرّجًا بالدم فهو يأمرنا "بالقيام بالثأر، وإن رجع نقيًا فهو يأمرنا" بأخذ الدية، ثم يرمون به إلى السماء، ولا يرجع أبدًا إلاّ نقيًّا فعيرهم الشاعر بفعل ذلك.
وفي ضد ذلك قول الآخر:
يطأ الطريق بيوتَهم بعياله *** والنار تحجب والوجوه تذال
لا يشربون دماءهم بأكفهم *** إن الدماء الغاليات تكال
يقول: إنهم كرام مقارٍ فهم ينزلون على الطريق لأبناء السبيل، وهم عيال الطريق، وذلك في حال الشدة، حيث تحجب النار لئلا يراها الطارق، وتذال الوجوه أي امتهان، ثم أخبر أنهم لا يأخذون الدية فيشربون الألبان عِوَضَ دمائهم، فإن الدماء الغالية على أهلها تكال أي تجازى كَيْلَ الصاع بالصاع ولا تذهب هدرًا بالديات.
وقول الآخر:
ألا لله ما مِرْدى حروب *** حواه بين حضنيه الظليم
وقد قامت عليه مها رُماحٍ *** حواسِرَ ما ننام ولا تنيم
الظليم القبر المحفور في غير موضع الحفر، فهو مظلوم أي فهذا الفتى قد حواه القبر وقامت عليه النساء حواسر يندبنه، وشبههن في صفائهن أو في سَعَة عيونهن بمَها رماحٍ، ورُماحٌ كغراب موضع، والعرب ما يندبون القتيل حتى يؤخذ بثأره، فالندب كناية عن ذلك.
ومثله قول قيس بن زهير:
من كان مسرورًا بقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه *** بالليل قبل تبلج الأسحار
أي فيعلم أنا قد ثأرنا به.
وفي الشيب والكبر "قوله":
ولما رأيت النسر عَزّ ابنَ دَأيَةٍ *** وعشعش في وكريه جاشت له نفسي
النسر الشيب وابن دأية الغراب وهو الشاب وعَزَّه غَلَبَهُ.
وقول الآخر:
أعار أبو زيد يميني سلاحه *** وحد سلاح الدهر للصخر كالم
وكنت إذا ما الكلب أنكر أهله *** أفدى وحين الكلب جذلان نائم
أبو زيد كنية الكبر، ويحتمل الدهر، وسلاحه العصا، وإنكار الكلب أهله عند لبس السلاح فيفدى لإقدامه على الحرب وهو شاب، ووَقْتُ نَوْم الكلب وجذَلُهُ أن تموت الماشية من الهزال فيشبع منها، ولهذا قالوا في المثل السائر: نَعِمَ كلب ببؤس أهله.
وقول الآخر:
أبا مالك إن الغواني هجرنني *** أبا مالك إني أظنك دائبا
أبو مالك هو الكبر لأنه يملك صاحبه.
وقول الآخر:
بئس قرينًا لامرئ سالك *** أم عبيد وأبو مالك
أم عبيد الصحراء، وأبو مالك الكبر.
وأما الألغاز ففي الدرهم قوله:
ومعشوق يرقص كلّ يومٍ *** ترى في وجهه أبدًا كلاما
إذا فارقته أجداك خيرًا *** ولا يجدي عليك إذا أقاما
وفي القلم قول الآخر:
عجبت لذي سنين في الماء نبته *** له أثر في كل مصر ومعمر
وقول الآخر:
وبيت بعلياء الفلاة بنيته *** بأسمر مشقوق الخياشم يرعف
يصف بيت شعر عمله في الصحراء وكتبه بالقلم.
"وقال آخر:
وما ميت ذو طعم عند رأسه *** متى ذاق من ذاك الطعام تكلما
فلا هو في الأحياء حي فيتقى *** ولا هو في الأموات ميت فيرحما
غيره:
ما رأت عيني عجيبًا *** كيراعي في الدواةِ
غائصًا يستخرج الدر *** ببحر الظلمات"
وفي الهلال قول الآخر:
ومولود شهر كان فيه شبابه *** وفي شهره أودى وأدركه الكِبَرْ
غيره:
فما وليد ربا في غير مولده *** وعاد فيه قديم السن قد نحلا
وفيه وزيادة:
ألا ربَّ مولود وليس له أب *** وذي ولد لم يلْدَه أبوان
وذي شامة سوداء في حر وجهه *** مجللة لا تنقضي لأوان
ويكمل في خمس وتسع شبابه *** ويهرم في سبع معًا وثمان"
وفي مصراعي الباب قول الآخر:
عجبت لمحرومين من كل لذة *** يبيتان طول الليل يعتنقان
إذا أمسيا كانا على الناس مرصدًا *** وعند طلوع الشمس يفترقان
ولقي عَبيدُ الأبرص أمرأَ القيس فقال له: ألا أساجلك؟ فقال: بلى، فقال عبيد:
ما حية ميتة أحيت بموتها *** درداء ما أنبتت نابًا وأضراسا
فقال أمرؤ القيس:
تلك الشعيرة تحنى في سنابلها *** فأضعفت بعد نبت الزرع أكداسا
فقال عَبيدٌ:
ما السود والبيض والأسماء واحدة *** ما يستطيع لهن الناس إمساسا
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمان هيجها *** بث النطاف بماء المزن أنفاسا
فقال عَبيدٌ:
ما قاطعات بلادًا لا أنيس بها *** إذا ابتكرن سرى كنسن أكناسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الرياح إذا هبّت عواصفها *** كفى بأذيالها للتراب كناسا
وقال عَبيدٌ:
ما ذات حكم بلا سمع ولا بصر *** ولا لسان فصيح يعجب الناسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الموازين والرحمان أنزلها *** رب البرية بين الناس مقياسا
وقال عَبيدٌ:
ما مدلجات على هول ركائبها *** يقطعن بعد النوى يسرًا وامراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك النجوم إذا حانت مطالعها *** شبهتها في ظلام الليل أقباسا
وقال عَبيدٌ:
ما قاطعات بلاد الله في طلق *** إذا استبقن ولا يرجعن قرطاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الأماني يتركن الفتى ملكا *** دون السماع ولم ترفع له راسا
فعجب عَبيدٌ من بداهة أمرئ القيس وقال له: ما أرى أحدًا يخوض تيّارك. قالوا: فكان امرؤ القيس مدلاّ بنفسه لا يرى لشاعر فضلًا حتى لقي التوأم اليشكري، فتنازعا الشعر، فقال له امرؤ القيس: إن كنت شاعرًا كما تزعم فملط أنصاف ما أقول، فقال له: قل: فقال امرؤ القيس:
أحارِ ترى بريقًا هبَّ وَهْنًا
فقال التوأم:
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس:
أرِقْتُ ونام أبو شُرَيْحٍ
فقال التوأم:
إذا ما قلت قد هدأ استطارا
فقال امرؤ القيس: كأن هزيزه بوراء غيب فقال التوأم:
عشارٌ وُلَّهٌ لاقت عشارا
فقال امرؤ القيس:
فلما أن دنا لقفا أضاخ
فقال التوأم:
وهت أعجاز ريِّقه فحارا
فقال امرؤ القيس:
فلم يترك بذات السر ظبيًا
فقال التوأم:
ولم يترك بجلتها حمارا
فبهت امرؤ القيس مما راى من بداهة اليشكري، وأقسم ألا ينازع الشعر أحدًا.
واجتع الطرماح بذي الرمة فقال له: هل نتساجل، فقال: قل، فقال ذو الرمة:
فما ذا زينة قد زينوه *** لغير زيادة ولغير عيد
فقال الطرماح:
هو الميت المكفن في ثياب *** يلف بها إلى القبر الجديد
وقال ذو الرمة:
وبنيان شديد الأيْدِ عالٍ *** بلا مدر أقل ولا عمود
فقال الطرماح:
فتلك سماؤنا خلقت ظلالًا *** بناها الله ذو العرش المجيد
وقال ذو الرمة:
وحسناء المناظر كل يوم *** لها وجه يضرب بالحديد
فقال الطرماح:
هو الوَرِقُ التي في الكير تجلى *** تخلص بالمطارق والوقود
وهذا الباب لا ينحصر، وإنما أشرنا إلى شيء مما وقع للعرب ليعلم أنهم يتنبهون لمثل ذلك، وما وقع بعدهم في كل زمان إلى اليوم أكثر وأكثر.
إذا القوس وترها أيِّدٌ *** رمى فأصاب الكلى والذُّرا
يريد أن القوس أعني قوس قزح إذا وترها أي أقامها ونصبها على ما هي أيّد أي قوي، وهو الموكل بها، أو الفاعل المختار سبحانه رمى بالغيث فأصاب بالشحم كلى الأنعام وذُراها.
وفي صفة السيف قول الآخر:
وكنت إذا الإبريق أقعى على استه *** وظن نديم الشر أن ليس راويا
كررت عليه الكأس حتى كأنما *** يرى بالذي أسقيه منه الأفاعيا
الإبريق السيف لأنه يسقي الموت، وإقعاؤه على استه أن يأخذ بقائمه عند إرادة الضرب، ونديم الشر العدوّ، والكأس كأس الشّر.
وفي صفة الظل قول الآخر:
وصاحب غير ذي ظلٍ ولا نفَسٍ *** هيجته بسواء البيد، فاهتاجا
يريد بالصاحب ظله، فإنه لا ظل له، ولا نفس، وقد حركه بمشيئته فتحرك.
ونحوه قول الآخر:
وثنيّةٍ جاوزتها بثنيّةٍ *** حرْف يعارضها ثنيٌّ أدهم
فالثنية الأولى ثنيّة بالجبل، والثانية الناقة التي ذلك سِنُّها، والثني الآخر ظلها، وهو أدهم أي أسود.
وفي اللصوصية قول الآخر:
تعيرني ترك الرماية خُلّتي *** وما كل من يرمي الوحوش يَنالُها
فإلا أصادف غرة الوحش أقتنص *** من الإنسيات العظام جُفالها
أي إن لم أقتنص الوحش أسرق من الغنم العظام الجفال أي الصوف .
وقول الآخر:
توخّى بها مجرى سُهَيْلٍ وخلفه *** من الشام أعلام تطول وتقصر
فلما رأى أن النِّطافَ تعذرت *** رأى أن ذا الكلبين لا يتعذر
هذا لص طرد إبلًا فتوخى أي قصد بها مجرى سهيل، وهو اليمن، وترك الشام وأعلامه أي جباله خلفه تطول وتقصر في السراب فلما رأى أن النطاف أي المياه تعذرت في طريقه رأى أن ذا الكلبين أي سيفه، والكلبان مسماران في قائمه، لا يتعذر فينحر ويفتظ الكرش فيشرب ما فيه: وقول الآخر:
إنا وجدنا طرَدَ الهوامل *** خيرًا من التأنان والمسائل
وعِدّةِ العام وعام قابل *** ملقوحة في بطن ناب حامل
يقول: إن سرقة الإبل الهوامل "أي" التي لا راعي معها خير لنا من الأنين والتشكي وسؤال الناس، فهذا يردنا، وهذا بالعطاء في العام أو القابل جنينًا في بطن أمه.
وقول الآخر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى *** وصَوَّتَ إنسان فكدت أطير
درى الله إني للأنيس لمبغض *** ويقليه مني شاهد وضمير
وإني لأستحيي من الله أن أرى *** أطوف بحبل ليس فيه بعير
وأن أسأل المرء اللئيم بعيره *** وبُعرانُ ربي في البلاد كثير
هذا لص يستوحش من الناس لئلاّ يقبض، ثم زعم أنه يستحيي أن يأتي بحبل يسأل من يعطيه بعيرًا فيربطه به، وأن يسأل البخلاء وإبل الله كثيرة يسرقها.
وقول الآخر:
أيا بارح الجوزاء مالك لا ترى *** عيالك قد أمسوا مراميل جوعًا
البارح الريح الشديدة تهبّ في القيظ، فهو يطلبها فإذا سرق الإبل عفت أثره فلا يدرك، وجعل عياله عيالًا للريح لأنه يعولها به.
ومثله قول الآخر:
جزى الجوزاء عنّا الله خيرًا *** فقد أغنت عن الحبل الجذيم
أي أغنتنا بريحها فنأخذ ما شئنا ولا ندرك ولم نحتج إلى حبل جذيم أي مقطوع نأتي به صاحبًا يعطينا فيه بعيرًا.
وقول الآخر:
ألا يا جارتا بأُباضَ إنّي *** رأيت الريح خيرًا منك جارا
تغذينا إذا هبّت علينا *** وتملأ وجه ناظركم غبارا
أُباض كغراب قرية باليمامة ويقال: لم يرَ أطول من نخيلها فيقول هذا اللص لجاريته بها: إن الريح خير منكما، وذلك أنه يسرق التمر فإذا هبت الريح أسقطته له، وأعمت أربابه، فلا يرونه حتى يقضي منه أربه.
وقول الآخر:
خليليّ لا تستعجلا وتبينا *** بوادي حَبَوْني هل لهن زوال
ولا تيأسا من رحمة الله وادعوا *** بوادي حَبَوْنى أن تهب شَمال
أي فتعفي الأثر وتعمي عيون الرعاة فيأخذوا حاجتهم.
وفي "الأيام والليالي" قول الآخر:
مطايا يقربن البعيد وإن نأى *** وينقلن أشلاء الكريم إلى القبر
"وقبله:
سرينا وأدلجنا وصارت ركابنا *** تمرّ بنا في غير برّ ولا بحر
وما هي إلاّ ليلة ثمَّ يومها *** وحول إلى حول وشهر إلى شهر
ويُنكحْنَ أزواج الغَيورِ عدوه *** ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر"
وقول الآخر:
سبع رواحل ما ينخن من الوَجَى *** شوم تشاف بسبعة زهر
متواصلات لا الدءُوبُ يملها *** باقٍ تعاقبها مدى الدهر
سبع أي ليال، شوم أي سود، وسبعة زهر أي أيام.
وفي التعبير على أخذ الدية وترك القيام بالثأر قول الآخر:
غدا ورداؤه لَهِقٌ حُجير *** ورحت أجر ثَوْبيْ أرجوان
كلانا اختار فانظر كيف تبقى *** أحاديث الرجال على الزمان
أي غدا حجير يعني أخاه، ورداؤه لهق أي أبيض لم يقتل قاتليه، ورحت أنا بثوب أرجوان أي أحمر لقيامي بالثأر.
وقول الآخر:
إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه *** دم الشيخ فاشرب من دم الشيخ أو دعا
أي إذا تركت ثأرك في أبيك وأخذت الإبل فمتى صببت لبنًا من الشكوة فهو دم أبيك تشربه.
وقول الآخر:
عقوا بسهم فلم يشعر به أحد *** ثم استفاءوا وقالوا حبّذا الوَضَحُ
الوضَحُ اللبنَ وعقوا رموا بسهم يقال له العقيقة، وكانوا إذا كان لهم ثأر وجنحوا إلى الصلح يأخذون سهمًا فيقولون: بيننا وبين إلهنا علامة، وهي أن نرمي هذا السهم، فإن رجع مضرّجًا بالدم فهو يأمرنا "بالقيام بالثأر، وإن رجع نقيًا فهو يأمرنا" بأخذ الدية، ثم يرمون به إلى السماء، ولا يرجع أبدًا إلاّ نقيًّا فعيرهم الشاعر بفعل ذلك.
وفي ضد ذلك قول الآخر:
يطأ الطريق بيوتَهم بعياله *** والنار تحجب والوجوه تذال
لا يشربون دماءهم بأكفهم *** إن الدماء الغاليات تكال
يقول: إنهم كرام مقارٍ فهم ينزلون على الطريق لأبناء السبيل، وهم عيال الطريق، وذلك في حال الشدة، حيث تحجب النار لئلا يراها الطارق، وتذال الوجوه أي امتهان، ثم أخبر أنهم لا يأخذون الدية فيشربون الألبان عِوَضَ دمائهم، فإن الدماء الغالية على أهلها تكال أي تجازى كَيْلَ الصاع بالصاع ولا تذهب هدرًا بالديات.
وقول الآخر:
ألا لله ما مِرْدى حروب *** حواه بين حضنيه الظليم
وقد قامت عليه مها رُماحٍ *** حواسِرَ ما ننام ولا تنيم
الظليم القبر المحفور في غير موضع الحفر، فهو مظلوم أي فهذا الفتى قد حواه القبر وقامت عليه النساء حواسر يندبنه، وشبههن في صفائهن أو في سَعَة عيونهن بمَها رماحٍ، ورُماحٌ كغراب موضع، والعرب ما يندبون القتيل حتى يؤخذ بثأره، فالندب كناية عن ذلك.
ومثله قول قيس بن زهير:
من كان مسرورًا بقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه *** بالليل قبل تبلج الأسحار
أي فيعلم أنا قد ثأرنا به.
وفي الشيب والكبر "قوله":
ولما رأيت النسر عَزّ ابنَ دَأيَةٍ *** وعشعش في وكريه جاشت له نفسي
النسر الشيب وابن دأية الغراب وهو الشاب وعَزَّه غَلَبَهُ.
وقول الآخر:
أعار أبو زيد يميني سلاحه *** وحد سلاح الدهر للصخر كالم
وكنت إذا ما الكلب أنكر أهله *** أفدى وحين الكلب جذلان نائم
أبو زيد كنية الكبر، ويحتمل الدهر، وسلاحه العصا، وإنكار الكلب أهله عند لبس السلاح فيفدى لإقدامه على الحرب وهو شاب، ووَقْتُ نَوْم الكلب وجذَلُهُ أن تموت الماشية من الهزال فيشبع منها، ولهذا قالوا في المثل السائر: نَعِمَ كلب ببؤس أهله.
وقول الآخر:
أبا مالك إن الغواني هجرنني *** أبا مالك إني أظنك دائبا
أبو مالك هو الكبر لأنه يملك صاحبه.
وقول الآخر:
بئس قرينًا لامرئ سالك *** أم عبيد وأبو مالك
أم عبيد الصحراء، وأبو مالك الكبر.
وأما الألغاز ففي الدرهم قوله:
ومعشوق يرقص كلّ يومٍ *** ترى في وجهه أبدًا كلاما
إذا فارقته أجداك خيرًا *** ولا يجدي عليك إذا أقاما
وفي القلم قول الآخر:
عجبت لذي سنين في الماء نبته *** له أثر في كل مصر ومعمر
وقول الآخر:
وبيت بعلياء الفلاة بنيته *** بأسمر مشقوق الخياشم يرعف
يصف بيت شعر عمله في الصحراء وكتبه بالقلم.
"وقال آخر:
وما ميت ذو طعم عند رأسه *** متى ذاق من ذاك الطعام تكلما
فلا هو في الأحياء حي فيتقى *** ولا هو في الأموات ميت فيرحما
غيره:
ما رأت عيني عجيبًا *** كيراعي في الدواةِ
غائصًا يستخرج الدر *** ببحر الظلمات"
وفي الهلال قول الآخر:
ومولود شهر كان فيه شبابه *** وفي شهره أودى وأدركه الكِبَرْ
غيره:
فما وليد ربا في غير مولده *** وعاد فيه قديم السن قد نحلا
وفيه وزيادة:
ألا ربَّ مولود وليس له أب *** وذي ولد لم يلْدَه أبوان
وذي شامة سوداء في حر وجهه *** مجللة لا تنقضي لأوان
ويكمل في خمس وتسع شبابه *** ويهرم في سبع معًا وثمان"
وفي مصراعي الباب قول الآخر:
عجبت لمحرومين من كل لذة *** يبيتان طول الليل يعتنقان
إذا أمسيا كانا على الناس مرصدًا *** وعند طلوع الشمس يفترقان
ولقي عَبيدُ الأبرص أمرأَ القيس فقال له: ألا أساجلك؟ فقال: بلى، فقال عبيد:
ما حية ميتة أحيت بموتها *** درداء ما أنبتت نابًا وأضراسا
فقال أمرؤ القيس:
تلك الشعيرة تحنى في سنابلها *** فأضعفت بعد نبت الزرع أكداسا
فقال عَبيدٌ:
ما السود والبيض والأسماء واحدة *** ما يستطيع لهن الناس إمساسا
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمان هيجها *** بث النطاف بماء المزن أنفاسا
فقال عَبيدٌ:
ما قاطعات بلادًا لا أنيس بها *** إذا ابتكرن سرى كنسن أكناسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الرياح إذا هبّت عواصفها *** كفى بأذيالها للتراب كناسا
وقال عَبيدٌ:
ما ذات حكم بلا سمع ولا بصر *** ولا لسان فصيح يعجب الناسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الموازين والرحمان أنزلها *** رب البرية بين الناس مقياسا
وقال عَبيدٌ:
ما مدلجات على هول ركائبها *** يقطعن بعد النوى يسرًا وامراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك النجوم إذا حانت مطالعها *** شبهتها في ظلام الليل أقباسا
وقال عَبيدٌ:
ما قاطعات بلاد الله في طلق *** إذا استبقن ولا يرجعن قرطاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الأماني يتركن الفتى ملكا *** دون السماع ولم ترفع له راسا
فعجب عَبيدٌ من بداهة أمرئ القيس وقال له: ما أرى أحدًا يخوض تيّارك. قالوا: فكان امرؤ القيس مدلاّ بنفسه لا يرى لشاعر فضلًا حتى لقي التوأم اليشكري، فتنازعا الشعر، فقال له امرؤ القيس: إن كنت شاعرًا كما تزعم فملط أنصاف ما أقول، فقال له: قل: فقال امرؤ القيس:
أحارِ ترى بريقًا هبَّ وَهْنًا
فقال التوأم:
كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس:
أرِقْتُ ونام أبو شُرَيْحٍ
فقال التوأم:
إذا ما قلت قد هدأ استطارا
فقال امرؤ القيس: كأن هزيزه بوراء غيب فقال التوأم:
عشارٌ وُلَّهٌ لاقت عشارا
فقال امرؤ القيس:
فلما أن دنا لقفا أضاخ
فقال التوأم:
وهت أعجاز ريِّقه فحارا
فقال امرؤ القيس:
فلم يترك بذات السر ظبيًا
فقال التوأم:
ولم يترك بجلتها حمارا
فبهت امرؤ القيس مما راى من بداهة اليشكري، وأقسم ألا ينازع الشعر أحدًا.
واجتع الطرماح بذي الرمة فقال له: هل نتساجل، فقال: قل، فقال ذو الرمة:
فما ذا زينة قد زينوه *** لغير زيادة ولغير عيد
فقال الطرماح:
هو الميت المكفن في ثياب *** يلف بها إلى القبر الجديد
وقال ذو الرمة:
وبنيان شديد الأيْدِ عالٍ *** بلا مدر أقل ولا عمود
فقال الطرماح:
فتلك سماؤنا خلقت ظلالًا *** بناها الله ذو العرش المجيد
وقال ذو الرمة:
وحسناء المناظر كل يوم *** لها وجه يضرب بالحديد
فقال الطرماح:
هو الوَرِقُ التي في الكير تجلى *** تخلص بالمطارق والوقود
وهذا الباب لا ينحصر، وإنما أشرنا إلى شيء مما وقع للعرب ليعلم أنهم يتنبهون لمثل ذلك، وما وقع بعدهم في كل زمان إلى اليوم أكثر وأكثر.
مواضيع مماثلة
» كتاب حروف المعاني
» اسطوانة موسوعة المسابقات والألغاز
» بحث عن القبائل العربية في مصر
» الإعراب فى اللغه العربية
» وضع المرأة في الدساتير العربية
» اسطوانة موسوعة المسابقات والألغاز
» بحث عن القبائل العربية في مصر
» الإعراب فى اللغه العربية
» وضع المرأة في الدساتير العربية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى