أصول الدين التي يتكلم فيها المتكلمون
صفحة 1 من اصل 1
أصول الدين التي يتكلم فيها المتكلمون
أصول الدين التي يتكلم فيها المتكلمون
أولها: القول في حدوث الأجسام والرد على الدهرية الذين يقولون بقدم الدهر والدلالة على أن للعالم محدثاً وهو الله تعالى والرد على الثنوية من المجوس والزنادقة وعلى المثلثة من النصارى وعلى غيرهم ممن قالوا بكثرة الصانعين وأنه لا يشبه الأشياء والرد على اليهود وعلى غيرهم من المشبهة وأنه ليس بجسم.
وقد قال كثير من مشبهة المسلمين بأنه جسم تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً وأنه جل جلاله عالم قادر حي بذاته.
وقال الجمهور غير المعتزلة: أنه عالم بعلم وحي بحياة وقادر بقدرة وأن هذه الصفات قديمة معه والكلام في الرؤية ونفيها وإثباتها وأن إرداته محدثة أو قديمة وأن كلامه مخلوق أو غير مخلوق وأن أفعال العباد مخلوقة يحدثها الله تبارك وتعالى أو العباد وأن الاستطاعة قبل الفعل أو معه وأن الله تعالى يريد القبائح أو لا يريدها وأن من مات مرتكباً للكبائر ولم يتب فهو في النار خالداً فيها أو يجوز أن يرحمه الله تعالى ويتجاوز عنه ويدخله الجنة.
وقالت المعتزلة: أهل الكبائر فساق ليسوا بمؤمنين ولا كفار وهذه منزلة بين المنزلتين.
وقال غيرهم: الناس إما مؤمن وإما كافر وقالوا: الشفاعة لا تلحق الفاسقين.
وقال غيرهم: تلحقهم وأنها للفساق دون غيرهم.
والدلالة على النبوة رداً على البراهمة وغيرهم من مبطلي النبوة والدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والقول في الإمامة ومن يصلح لها ومن لا تصلح له.
فهذه أصول الدين التي يتكلم المتكلمون فيها ويتناظرون عليها وما سوى ذلك فهو إما فروع لهذه وإما مقدمات وتوطئات لها.
الباب الثالث في النحو
وهو إثنا عشر فصلاً
الفصل الأول في وجوه الإعراب
ومبادىء النحو على مذهب عامة النحويين هذه الصناعة تسمى باليونانية: غرماطيقي وبالعربية: النحو.
الكلام: ثلاثة أشياء: إسم كزيد وعمر وحمار وفرس وفعل مثل: ضرب ويضرب ومشى ويمشي ومرض ويمرض وحرف جيء لمعنى مثل: هل وقد وبل.
وأهل الكوفة يسمون حروف المعاني: الأدوات وأهل المنطق يسمونها: الرباطات.
النعت كقولك: زيد الطويل فالطويل هو النعت ويسمى صفة.
والخبر كقولك: زيد طويل فقولك: طويل هو خبر.
الحركات التي تلزم أواخر الكلام للإعراب ثلاث: رفع ونصب وخفض وقد تسمى أيضاً: وقد فرق البصريون بين هذه الأسماء فجعلوا الرفع لما دخل على الأسماء المتمكنة التي يلزمها الإعراب بالحركات الثلاث مثل قولك: زيد وعمرو وعبد الله وجعلوا الضم لما بني مضموماً مثل: نحن وقط وحيث وجعلوا الفتح لما بني مفتوحاً نحو: أين وكيف وشتان وجعلوا الخفض للأسماء المتمكنة التي يلزمها الإعراب بالحركات الثلاث وجعلوا الكسر لما بني مكسوراً نحو: هؤلاء وأمس وجير وكذلك فعلوا في الجزم والوقف جعلوا الجزم في الأفعال لما جزم بعامل والوقف لما بني ساكناً نحو: وقد وهل.
الفصل الثاني في وجوه الإعراب وما يتبعها
على ما يحكي عن الخليل بن أحمد الرفع: ما وقع في إعجاز الكلم منوناً نحو قولك: زيد.
والضم: ما وقع في إعجاز الكلم غير منون نحو: يفعل.
والتوجيه: ما وقع في صدور الكلم نحو: عين عمر وقاف قتم.
والحشو: ما وقع في الأوساط نحو جيم رجل والبخر: ما وقع في إعجاز الأسماء دون الأفعال الإشمام: ما وقع في صدور الكلم المنقوصة نحو قاف قيل إذا أشم ضمة.
النصب: ما وقع في إعجاز الكلم منوناً نحو: زيداً.
الفتح: ما وقع في إعاز الكلم غير منون نحو: باء ضرب.
القعر: ما وقع في صدور الكلم نحو ضاد ضرب.
والتفحيم: ما وقع في أوساط الكلم على الألفات المهموزة نحو سأل.
الإرسال: ما وقع في إعجازها على الألفات المهموزة نحو ألف قرأ.
والتيسير هو الألفات المستخرجة من إعجاز الكلم نحو قول الله تعالى " فأضلونا السبيلا ".
الخفض: ما وقع في إعجاز الكلم منوناً نحو: زيد.
والكسر: ما وقع في إعجاز الكلم غير منون نحو لام الجمل.
والإضجاع: ما وقع في أوساط الكلم نحو باء الإبل.
والجر: ما وقع في إعجاز الأفعال المجزومة عند استقبال ألف الوصل نحو: يذهب الرجل.
والجزم: ما وقع في إعجاز الأفعال المجزومة نحو باء اضرب.
والتسكين: ما وقع في أوساط الأفعال نحو فاء يفعل.
والتوقيف: ماوقع في إعجاز الأدوات نحو ميم نعم.
وضدها: التفخيم.
النبرة: الهمزة التي تقع في أواخر الأفعال والأسماء نحو: سبأ وقرأ وملأ.
الفصل الثالث في وجوه الإعراب على مذهب فلاسفة اليونانيين
الرفع عند أصحاب المنطق من اليونانيين واو ناقصة وكذلك الضم وأخواته المذكورة.
والكسر وأخواته عندهم ياء ناقصة.
والفتح وأخواته عندهم ألف ناقصة.
وإن شئت قلت الواو الممدودة اللينة ضمة مشبعة والياء الممدودة اللينة كسرة مشبعة والألف الممدودة فتحة مشبعة وعلى هذا القياس.
الروم والأشمام نسبتهما إلى هذه الحركات كنسبة الحركات إلى حروف المد واللين أعني الألف والواو والياء.
الفصل الرابع في تنزيل الأسماء
الاسم المضاف نحو: عبد الله وصاحب الفرس.
الاسم المعتل مثل: غازٍ وقاصٍ ومشترٍ ومفترٍ.
الاسم المقصور نحو: قفا وعصا ورحى ومصطفى وعيسى وموسى.
الاسم الممدود نحو: سماء ولقاء.
الاسم المنقوص مثل: يد ودم وأخ وأب.
ما لا ينصرف من الأسماء نحو: إبراهيم وإسماعيل وعطشان وأحمد وطلحة وحمزة.
الاسم المعدول نحو: حذام وقطام ورقاش عدلت عن: حاذقة وقاطمة وراقشة.
الأسماء المبهمة مثل: هذا وذاك وهذه وتلك.
الأسماء المضمرة مثل: أنت وهو وهي.
الفصل الخامس في الوجوه التي ترفع بها الأسماء
الوجوه التي ترفع بها الأسماء سبعة: المبتدأ وخبره كقولك: زيد منطلق فزيد المبتدأ ومنطلق خبره.
والمفعول الذي لم يسم فاعله مثل: ضرب زيد ودخل البيت.
والأفعال التي ترفع الأسماء بعدها وتنصب الأخبار وهي: كان وليس وصار وما زال وأصبح وأمسى وظل وبات.
والحروف التي تنصب الأسماء بعدها وترفع الأخبار وهي: إن وأن وكأن ولكن وليت ولعل.
الفصل السادس في الوجوه التي تنصب بها الأسماء
النصب يدخل الأسماء من ثلاثة عشر وجهاً.
المفعول: مثل قولك: ضربت عمراً.
وخبر ما لم يسم فاعله مثل قولك: أعطى زيد درهماً فزيد مفعول به ودرهماً مفعول ثان.
وخبر كان وأخواتها مثل: كان الله غفوراً رحيماً.
والمصدر: نحو قولك: قتلت قتلاً وأكلت أكلاً.
والظرف كقولك: ذهب زيد اليوم ويذهب غداً وزيد خلفك وفوقك وتحتك.
والحال كقولك: خرجت ماشياً وهذا زيد قائماً.
والتمييز كقولك: هو أحسن منك ثوباً وأكبر منك سناً.
وهذه عشرون درهماً.
والإستثناء من المثبت كقولك: أتاني القوم إلا زيداً.
والنفي بلا كقولك: لا مال لك ولا بأس عليك.
والنداء إذا كان المنادى مضافاً أو نكرة كقولك: يا عبد الله ويا راكباً.
والمدح والذم بإضمار أعني كقولك: الحمد لله أهل الحمد ومعناه: أعني: أهل الحمد وكقول الله عز وجل: " وامرأته حمالة الحطب " في قراءة من نصب حمالة معناه: أعني حمالة الحطب.
الفصل السابع في الوجوه التي تخفض بها الأسماء
الخفض يدخل الأسماء من وجهين: أحدهما الإضافة إلى اسم أو إلى ظرف كقولك: دار زيد وكقولك: بعد عمرو وقبل سعد.
والوجه الثاني: حرف المعنى وحروف المعاني الخافضة: من وعن وعلى وإلى والكاف
الفصل الثامن في الوجوه التي يتبع بها الاسم ما قبله
في وجوه الإعراب كلها الوجوه التي تتبع بها الأسماء ما قبلها ثلاثة: العطف والبدل والصفة.
فالعطف هو النسق وحروفه عشرة: الواو والفاء وثم واو وأم ولا وبل ولكن وأما.
والبدل على وجهين: بدل بيان كقول الله عز وجل: "
كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ " وبدل غلط كقولك: مررت بفرسٍ حمارٍ.
والصفة هي النعت كقولك: مررت برجل ذي مال ومررت بالرجل الحسن.
الفصل التاسع في تنزيل الأفعال
الأفعال أربعة أجناس: فعل قد مضى كقولك: أكل أمس وذهب وهو مفتوح أبداً.
وفعل ما أنت فيه ولفظه ولفظ المستقبل واحد ويسميان معاً: الفعل المضارع لأنه يضارع الأسماء بقبول وجوه الإعراب.
وفعل مبني للأمر كقولك: كل واذهب وهو عند بعضهم مجزوم بعامل وهو لام الأمر.
الفصل العاشر في الحروف التي تنصب بها الأفعال
الحروف التي تنصب الأفعال المضارعة وهي: أن ولن وكي وكيما وكيلا واللام المكسورة.
ومن الحروف النواصب ما ينصب الفعل المضارع في حال ولا ينصبه في أخرى وهو: حتى وإذا وألا والفاء والواو وأو.
فأما حتى فإنها تنصب لا محالة إذا تقدمها فعل غير واجب كالأمر والنهي والاستفهام فإذا تقدمها فعل واجب رفعت في حال ونصبت في أخرى مثل قول الله تعالى: " وزلزلوا حتى يقول الرسول " يجوز فيه النصب إذا كان معناه: ليقول الرسول ويجوز فيه الرفع إذا كان معناه: حتى قال الرسول.
وأما إذا فإنها تنصب في أول الكلام لا غير إذا لم يكن بينها وبين الفعل حاجز غير اليمين فإنها لا تحجز تقول: والله إذاً لا أفعل بالرفع وإذاً والله أفعل بالنصب بطرح: لا.
وألا إذا كانت بمعنى: أن المشددة ارتفع ما بعدها كقول الله عز وجل: " لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء " أي: أنهم لا يقدرون على شيء.
والفاء تنصب إذا كان الفعل جواباً لما ليس بواجب وكذلك الواو إلا أن معناها غير معنى الفاء وكذلك: أو إذا كانت بمعنى حتى.
الفصل الحادي عشر في الحروف التي تجزم الأفعال المضارعة
الحروف التي تجزم الأفعال المضارعة: لم ولما وألم وألما وحروف الجزاء وهي: إن وما ومهما وإذما وحيثما ومن وأنى وأين وأينما ومتى ومتى ما وكيف وكيفما.
هذه تجزم الشرط والجزاء معاً كقولك: إن تضربني أضربك وما تفعل أفعل ونحو ذلك.
والفعل يجزم إذا كان جواباً لما ليس بواجب وما ليس بواجب هو: الأمر والنهي والإستفهام والتمني والنفي والعرض وهذه إذا أدخلت الفاء في جوابها انتصبت تقول: زرني أزرك ولا تفعل يكن خيراً لك وليتك عندنا فنكرمك وألا ماء أشربه.
الفصل الثاني عشر في النوادر
الإغراء كقولك: دونك زيداً وعليك عمراً.
التوكيد كقولك: مررت بقومك أجمعين أكتعين وكلهم.
الظرف هي التي يسميها أهل الكوفة: المحال وهي عند البصريين على نوعين: ظرف زمان وظرف مكان فالزماني كاليوم وأمس وغداً وظرف المكان مثل: فوقك وتحتك وخلفك وقدامك.
التبرئة كقولك: لا مال لي وهو النفي.
الندبة كقولك: واغلاماه وا أباه وا أبتاه وا زيداه.
العماد عند أهل الكوفة: كقولك: زيد هو الظريف فهو العماد عندهم.
جمع التكسير مثل: دراهم جمع درهم وكلاب جمع كلب وإنما سمي جمع التكسير لأن لفظ الواحد تغير عن حاله وضده جمع السلامة وهو كالصالحين والصالحات وإنما سمي جمع السلامة لأن لفظ الواحد ثابت على حاله.
الترخيم في النداء أن يقال: يا حار ومعناه: يا حارث.
============================
فيما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم
قال الفقيه أبو الليث: يراد من العلماء عشرة أشياء: الخشية، والنصيحة، والشفقة، والاحتمال، والصبر، والحلم، والتواضع، والعفة عن أموال الناس، والدوام على النظر في الكتب، وقلة الحجاب، وأن لا ينازع أحدا، ولا يخاصمه.
وعليه أن يشتغل بمصالح نفسه، لا بقهر عدوه.
قيل: من أراد أن يرغم أنف عدوه، فليحصل العلم.
وأن لا يترفه في المطعم والملبس، وأن لا يتجمل في الأثاث والمسكن، بل يؤثر الاقتصاد في جميع الأمور، ويتشبه بالسلف الصالح؛ وكلما ازداد إلى جانب القلة ميله، ازداد قربه من الله - سبحانه وتعالى -، لأن التزين بالمباح، وإن لم يكن حراما، لكن الخوض فيه يوجب الأنس به، حتى يشق تركه، فالحزم اجتناب ذلك، لأن من خاض في الدنيا لا يسلم منها البتة، مع أنها مزرعة الآخرة، ففيها الخير النافع، والسم الناقع.
ففي تمييز الأول من الثاني أحوال، منها: معرفة رتبة المال، فنعم المال الصالح منه للصالح إذا جعله خادما لا مخدوما، وهو مطلوب لتقوية البدن بالمطاعم والملابس، والتقوية لكسب العلوم والمعارف، التي هي المقصد الأقصى؛ ومنها: مراعاة جهة الدخل، فمن قدر على كسب الحلال الطيب فليترك المشتبه، وإن لم يقدر يأخذ منه قدر الحاجة، وإن قدر عليه - لكن بالتعب، واستغراق الوقت - فعلى العامل العامي أن يختار التعب، وإن كان من الأهل، فإن كان ما فاته من العلم والحال أكثر من الثواب الحاصل في طلب الحلال، فله أن يختار الحلال الغير الطيب، كمن غص بلقمة يسيغها بالخمر، لكن يخفيه من الجاهل - مهما أمكن - كيلا يحرك سلسلة الضلال؛ ومنها: المقدار المأخوذ منه، وهو قدر (1/ 250) الحاجة في: المسكن، والمطعم، والملبس، والمنكح، إن جاوز من الأدنى لا يجوز التجاوز عن الوسط؛ ومنها: الخرج والإنفاق، فالمحمود منه الصدقة، والإنفاق على العيال، وقد اختلف في أن الأخذ والإنفاق على الوجه المشروع أولى، أم تركه رأسا مع الاتفاق؟ على أن الإقبال على الدنيا بالكلية مذموم، فالمقبلون على الآخرة، والصارفون للدنيا في محله، فهم الأفضلون من التارك بالكلية، ومنهم عامة الأنبياء - عليهم السلام -؛ ومنها: أن تكون نيته صالحة في الأخذ والإنفاق، فينوي بالأخذ أن يستعين به على العبادة، ويأكل ليتقوى به على العبادة.
-------------------------------------
فوائد العلم وأهل العلم
===================
فائدة:
اعلم: أن تكميل النفوس البشرية في قواها النظرية والعملية، إنما يتم بالعلم بحقائق الأشياء، وما هو إليه كالوسيلة، وبه يكون القصد إلى الفضائل، والاجتناب عن الرذائل؛ إذ كان هو الوسيلة إلى السعادة الأبدية؛ ولا شيء أشنع وأقبح من الإنسان مع ما فضله الله - سبحانه وتعالى - به من: النطق، وقبول تعلم الآداب والعلوم، من أن يهمل نفسه، ويعريها من الفضائل.
وقد حث الشارع - عليه الصلاة والسلام - على اكتسابه حيث قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). وقال: (اطلبوا العلم، ولو بالصين). وقيل: (اطلبوه من المهد إلى اللحد).
فائدة:
اعلم: أن الإنسان مطبوع على التعلم، لأن فكره هو سبب امتيازه عن سائر الحيوانات، ولما كان فكره راغبا بالطبع في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات، لزمه الرجوع إلى من سبقه بعلم، فيلقن (1/ 251) ما عنده؛ ثم إن فكره يتوجه إلى واحد من الحقائق، وينظر ما يعرض له لذاته واحدا بعد واحد، ويتمرن عليه، حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقائق ملكة له، فيكون علمه حينئذ بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا، ويتشوق نفوس أهل القرن الناشئ إلى تحصيله، فيفزعون إلى أهله.
فائدة:
وكل تعليم وتعلم ذهني، إنما يكون بعلم سابق في معلوم، ما من عالم كمن ليس بعالم.
وقد يكون بالطبع مستفادا من وقائع الزمان بتردد الأذهان، ويسمى: علما تجريبيا؛ وقد يكون بالبحث وإعمال الفكر، ويسمى: علما قياسيا.
والعلم محصور في التصور والتصديق، والتصور: يطلب بالأقوال الشارحة، والتصديق: يكون عن مقدمات في صور القياسات للنتائج، فقد يحصل به اليقين، وقد لا يحصل به الإقناع؛ وقدموا في التعليم ما هو أقرب تناولا، ليكون سلما لغيره.
وجرت سنة القدماء في التعليم مشافهة دون كتاب، لئلا يصل العلم إلى غير مستحقه، ولكثرة المشتغلين بها، فلما ضعفت الهمم، أخذوا في تدوين العلوم، وصنفوا ببعضها، فاستعملوا الرمز، واختصروا من الدلالات على الالتزام، فمن عرف مقاصدهم حصل على أغراضهم.
فائدة:
اعلم: أن جميع المعلومات إنما تعرف بالدلالة عليها بأحد الأمور الثلاثة: الإشارة، والخط، واللفظ؛ فالإشارة: تتوقف على المشاهدة، واللفظ: يتوقف على حضور المخاطب وسماعه، وأما الخط: فلا يتوقف على شيء، فهو أعمها نفعا وأشرفها، وهو خاصة النوع الإنساني.
فعلى المتعلم أن يجوده ولو بنوع منه، ولا شك أنه بالخط والقراءة ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل، وامتاز عن سائر الحيوانات، (1/ 252) وضبطت الأموال، وحفظت العلوم والكمال، وانتقلت الأخبار من زمان إلى زمان، فجبلت غرائز القوابل على قبول الكتابة والقراءة.
لكن السعي لتحصيل الملكة هو موقوف على: الأخذ، والتعلم، والتمرن، والتدرب.
فائدة:
اعلم: أن العلم والنظر وجودهما بالقوة في الإنسان؛ فيفيد صاحبها عقلا، لأن النفس الناطقة، وخروجها من القوة إلى الفعل، إنما هو بتجدد العلوم والإدراكات من المحسوسات أولا، ثم ما يكتسب بالقوة النظرية، إلى أن يصير إدراكا بالفعل، وعقلا محضا، فيكون ذاتا روحانية، ويستكمل حينئذ وجودها.
فثبت أن كل نوع من العلوم والنظر يُفيدها عقلا مزيدا، وكذا الملكات الصناعية تفيد عقلا، والكتابة من بين الصنائع أكثر إفادة لذلك، فإنها تشتمل على علوم وأنظار، إذ فيها انتقال من صور الحروف الخطية، إلى الكلمات اللفظية، ومنها إلى المعاني، فهو ينتقل من دليل إلى دليل، وتتعود النفس ذلك دائما، فيتحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلول، وهو معنى النظر الفعلي، الذي يكتسب به العلوم المجهولة، فيحصل بذلك زيادة عقل، ومزيد فطنة؛ وهذا هو ثمرة التعلم في الدنيا.
فائدة:
ثم إن المقصود من: العلم، والتعليم، والتعلم، معرفة الله سبحانه، وهي غاية الغايات، ورأس أنواع السعادات، ويعبر عنها: بعلم اليقين، الذي يخصه الصوفية أولو الكرامات، وهو الكمال المطلوب من العلم الثابت بالأدلة.
وإياك أيها المتعلم أن يكون شغلك من العلم أن تجعله صنعة غلبت على قلبك، حتى قضيت نحبك بتكراره عند النزع، كما يحكى أن أبا طاهر الزيادي كان يكرر مسألة ضمان الدرك حالة نزعه.
بل ينبغي لك أن تتخذه سبيلا إلى النجاة. (1/ 253)
ذكر إحراق الكتب وإعدامها
ومن أجل ذلك نقل عن بعض المشايخ: أنهم أحرقوا كتبهم، منهم: العارف بالله - سبحانه وتعالى - أحمد بن أبي الحواري، فإنه كما ذكره أبو نعيم في (الحلية): لما فرغ من التعلم جلس للناس، فخطر بقلبه يوما خاطر من قبل الحق، فحمل كتبه إلى شط الفرات، فجلس يبكي ساعة، ثم قال: نعم الدليل كنت لي على ربي، ولكن لما ظفرت بالمدلول، علمت أن الاشتغال بالدليل محال؛ فغسل كتبه.
وذكر ابن الملقن في ترجمته من (طبقات الأولياء) ما نصه: وقد روي نحو هذا عن سفيان الثوري أنه أوصى بدفن كتبه، وكان ندم على أشياء كتبها عن الضعفاء.
وقال ابن عساكر في الكنى من (التاريخ): إن أبا عمرو بن العلاء كان أعلم الناس بالقرآن والعربية، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك، وأحرقها.
فائدة:
ذكرها البقاعي في (حاشيته على شرح الألفية) (1/ 254) للزين العراقي، وهي أنه قال: سألت شيخنا - يعني ابن حجر العسقلاني - عما فعل داود الطائي وأمثاله عن إعدام كتبهم، ما سببه؟ فقال: لم يكونوا يرون أنه يجوز لأحد روايتها، لا بالإجازة، ولا بالوجادة، بل يرون أنه إذا رواها أحد بالوجادة يضعف؛ فرأوا أن مفسدة إتلافها، أخف من مفسدة تضعيف بسببهم. انتهى.
أقول: وجوابه بالنظر إلى فن الحديث، لا يقع جوابا عن إعدام ابن أبي الحواري وأمثاله، لأن الأول: بسبب ضعف الإسناد، والثاني: بسبب الزهد والتبتل إلى الله - سبحانه -؛ ولعل الجواب عن إعدامهم: أنه إن أخرجه عن ملكه بالهبة والبيع ونحوه، لا تنحسم مادة العلاقة القلبية بالكلية، ولا يأمن من أن يخطر بباله الرجوع إليه، ويختلج في صدره النظر والمطالعة في وقت ما، وذلك مشغلة بما سوى الله - سبحانه وتعالى -.
فائدة: في طريق النظر والتصفية
اعلم: أن السعادة الأبدية لا تتم إلا بالعلم والعمل، ولا يعتد بواحد منهما بدون الآخر، وأن كلا منهما ثمرة الآخر، مثلا: إذا تمهر الرجل في العلم لا مندوحة له عن العمل بموجبه، إذ لو قصر فيه، لم يكن في علمه كمال، وإذا باشر الرجل العمل، وجاهد فيه، وارتاض حسبما بينوه من الشرائط، تنصب على قلبه العلوم النظرية بكمالها؛ فهاتان طريقتان، الأولى منهما: طريقة الاستدلال، والثانية: طريقة المشاهدة؛ وقد ينتهي كل من الطريقتين إلى الأخرى، فيكون صاحبه مجمعا للبحرين.
فسالك طريق الحق نوعان:
أحدهما: يتبدى من طريق العلم إلى العرفان، وهو: يشبه أن يكون طريقة الخليل - عليه الصلاة والسلام -، حيث ابتدأ من الاستدلال. (1/ 255)
والثاني: يبتدئ من الغيب، ثم ينكشف له عالم الشهادة، وهو: طريق الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، حيث ابتدأ بشرح الصدر، وكشف له سبحات وجهه - صلى الله عليه وسلم -.
مناظرة أهل الطريقين
اعلم أن السالكين اختلفوا في تفضيل الطريقين.
قال أرباب النظر: الأفضل: طريق النظر، لأن طريق التصفية صعب، والواصل قليل، على أنه قد يفسد المزاج، ويختلط العقل في أثناء المجاهدة.
وقال أهل التصفية: العلوم الحاصلة بالنظر لا تصفو عن شوب الوهم، ومخالطة الخيال غالبا؛ ولهذا كثيرا ما يقيسون الغائب على الشاهد فيضلون، وأيضا لا يتخلصون في المناظرة عن اتباع الهوى، بخلاف التصوف، فإنه تصفية للروح، وتطهير للقلب عن الوهم والخيال، فلا يبقي إلا الانتظار للفيض من العلوم الإلهية.
وأما صعوبة المسلك وبعده فلا يقدح في صحة العلم، مع أنه يسير على من يسره الله - سبحانه وتعالى - عليه، وأما اختلال المزاج، فإن وقع فيقبل العلاج؛ ومثلوا بطائفتين تنازعتا في المباهاة والافتخار بصنعة النقش والتصوير، حتى أدى الافتخار إلى الاختبار، فعين لكل منهما جدار بينهما حجاب، فتكلف أحدهما في صنعته، واشتغل الآخر بالتصقيل، فلما ارتفع الحجاب ظهر تلألؤ الجدار مع جميع نقوش المقابل، وقالوا: هذه أمثال العلوم النظرية والكشفية، فالأول: يحصل من طريق الحواس بالكد والعناء، والثاني: يحصل من اللوح المحفوظ، والملأ الأعلى. (1/ 256)
واعترض عليهم: بأنا لا نسلم مطلق الحصول، لأن كل علم مسائله كثيرة، وحصولها عبارة عن الملكة الراسخة فيه، وهي لا تتم إلا بالتعلم والتدرب؟ - كما سبق -.
ولعل المكاشف لا يدعي حصول العلوم النظرية بطريق الكشف، لأنه لا يصدق إلا أن يقول بحصول الغاية، والغرض منها.
المحاكمة بين الفريقين
وقد يقال: إنه قد سبق أن العلوم مع كثرتها منحصرة فيما يتعلق بالأعيان، وهو العلوم الحقيقية، وتسمى: حكمية، إن جرى الباحث على مقتضى عقله، وشرعية: إن بحث على قانون الإسلام، وفيما يتعلق بالأذهان والعبارة، وهي: العلوم الآلية المعنوية، كالمنطق ونحوه؛ وفيما يتعلق بالعبارة والكتابة، وهي: العلوم الآلية اللفظية أو الخطية، وتسمى: بالعربية؛ ثم إن ما عدا الأول من الأقسام الأربعة لا سبيل إلى تحصيلها، إلا الكسب بالنظر؛ أما الأول: فقد يحصل بالتصفية أيضا.
ثم إن الناس، منهم: الشيوخ البالغون إلى عشر الستين: فاللائق بشأنهم طريق التصفية والانتظار، لما منحه الله - سبحانه وتعالى - من المعارف، إذ الوقت لا يساعد في حقهم تقديم طريق النظر.
ومنهم: الشبان الأغبياء: فحكمهم حكم الشيوخ.
ومنهم: الشبان الأذكياء، المستعدون لفهم الحقائق: فلا يخلو إما أن لا يرشدهم ماهر في العلوم النظرية، فعليهم ما على الشيوخ، وإما أن يساعدهم التقدير في وجود عالم ماهر، مع أنه أعز من الكبريت الأحمر، فعليه تقديم طريقة النظر، ثم الإقبال بشراشره إلى قرع باب الملكوت، ليكون فائزا بنعمة باقية لا تفنى أبدا.
==================================
العلوم العقلية وأصنافها
أما العلوم العقلية التي هي: طبيعية للإنسان من حيث إنه ذو فكر، فهي غير مختصة بملة، بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم، ويستوون في مداركها ومباحثها، وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة؛ وتسمى هذه العلوم: علوم الفلسفة والحكمة، وهي مشتملة على أربعة علوم:
الأول: علم المنطق
وهو: علم يعصم الذهن عن الخطأ في اقتناص المطالب المجهولة، من الأمور الحاصلة المعلومة.
وفائدته: تمييز الخطأ من الصواب، فيما يلتمسه الناظر في الموجودات وعوارضها، ليقف على تحقيق الحق في الكائنات بمنتهى فكره. (1/ 259)
الثاني: العلم الطبيعي
ثم النظر بعد ذلك عندهم:
إما: في المحسوسات من الأجسام العنصرية والمكونة عنها، من: المعدن، والنبات، والحيوان، والأجسام الفلكية، والحركات الطبيعية، والنفس التي تنبعث عنها الحركات، وغير ذلك؛ ويسمى هذا الفن: بالعلم الطبيعي، وهو: الثاني منها.
الثالث: العلم الإلهي
وإما: أن يكون النظر في الأمور التي وراء الطبيعة من الروحانيات، ويسمونه: العلم الإلهي، وهو: الثالث منها.
والعلم الرابع:
وهو: الناظر في المقادير؛ ويشتمل على: أربعة علوم، وتسمى: التعاليم
أولها: علم الهندسة
وهو: النظر في المقادير على الإطلاق، إما المنفصلة: من حيث كونها معدودة؛ أو المتصلة: وهي إما ذو بعد واحد، وهو: الخط؛ أو ذو بعدين، وهو: السطح؛ أو ذو أبعاد ثلاثة، وهو: الجسم التعليمي؛ ينظر في هذه المقادير وما يعرض عليها إما من: حيث ذاتها، أو من: حيث نسبة بعضها إلى بعض.
وثانيها: علم الأرتماطيقي
وهو: معرفة ما يعرض للكم المنفصل، الذي هو: العدد؛ ويؤخذ له من الخواص والعوارض اللاحقة.
وثالثها: علم الموسيقى
وهو: معرفة نسب الأصوات والنغم بعضها من بعض، وتقديرها بالعدد؛
وثمرته: معرفة تلاحين الغناء.
ورابعها: علم الهيئة
وهو: تعيين الأشكال للأفلاك، وحصر أوضاعها وتعددها لكل كوكب من السيّارة، والقيام على معرفة ذلك من قبل الحركات السماوية المشاهدة الموجودة لكل واحد منها، ومن رجوعها، واستقامتها، وإقبالها، وإدبارها. (1/ 260)
فهذه: أصول العلوم الفلسفية؛ وهي سبعة:
1- المنطق: وهو المقدم منها، وبعده: التعاليم.
2- فالأرتماطيقي أولا.
3- ثم الهندسة.
4- ثم الهيئة.
5- ثم الموسيقى.
6- ثم الطبيعيات.
7- ثم الإلهيات.
ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه.
فمن فروع الطبيعيات: الطب.
ومن فروع علم العدد: علم الحساب، والفرائض، والمعاملات.
ومن فروع الهيئة: الأزياج: وهي قوانين لحسابات حركات الكواكب وتعديلها، للوقوف على مواضعها متى قصد ذلك.
ومن فروع النظر في النجوم: علم الأحكام النجومية.
واعلم: أن أكثر من عني بها في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم، الأمتان العظيمتان في الدولة قبل الإسلام، وهما: فارس، والروم؛ فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم - على ما بلغنا -، لما كان العمران موفورا فيهم، والدولة والسلطان قبل الإسلام وعصره لهم، فكان لهذه العلوم بحور زاخرة في آفاقهم وأمصارهم.
وكان للكلدانيين، ومن قبلهم من السريانيين، ومن عاصرهم من القبط، عناية بالسحر والنجامة، وما يتبعها من الطلاسم، وأخذ ذلك عنهم الأمم من: فارس، ويونان، فاختص بها القبط، وطمى (1/ 261) بحرها فيهم، كما وقع في المتلو من خبر هاروت وماروت، وشأن السحرة، وما نقله أهل العلم من شأن البرابي بصعيد مصر.
ثم تتابعت الملل بخطر ذلك وتحريمه، فدرست علومه وبطلت، كأن لم تكن إلا بقايا يتناقلها منتحلو هذه الصنائع، - والله أعلم بصحتها -، مع أن سيوف الشرع قائمة على ظهورها، مانعة من اختبارها.
وأما الفرس: فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما، ونطاقها متسعا، لما كانت عليه دولتهم من الضخامة، واتصال الملك.
ولقد يقال: إن هذه العلوم، إما وصلت إلى يونان منهم، حين قتل الإسكندر دارا، وغلب على مملكة الكينية، فاستولى على كتبهم وعلومهم مالا يأخذه الحصر.
ولما فتحت أرض فارس، ووجدوا فيها كتبا كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليستأذنه في شأنها، وتلقينها للمسلمين، فكتب إليه عمر - رضي الله عنه - أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى، فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالا، فقد كفانا الله؛ فطرحوها في الماء، أو في النار، وذهب علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا.
وأما الروم: فكانت الدولة منهم ليونان أولا، وكان لهذه العلوم بينهم مجال رحب، وحملها مشاهير من رجالهم، مثل: أساطين الحكمة، وغيرهم؛ واختص فيها المشاؤون - منهم أصحاب الرواق - بطريقة حسنة في التعليم، يقرؤون في رواق يظلهم من الشمس والبرد - على ما زعموا -، واتصل فيها سند تعليمهم - على ما يزعمون - من لدن لقمان الحكيم (1/ 262) في تلميذه بقراط، ثم إلى تلميذه أفلاطون، ثم إلى تلميذه أرسطو، ثم إلى تلميذه الإسكندر الأفرودسي، وتامسطيوس، وغيرهم.
وكان أرسطو معلما للإسكندر ملكهم، الذي غلب الفرس على ملكهم، وانتزع الملك من أيديهم، وكان أرسخهم في هذه العلوم قدما، وأبعدهم فيها صيتا، وكان يسمى: المعلم الأول، فطار له في العالم ذكر.
ولما انقرض أمر اليونان، وصار الأمر للقياصرة، وأخذوا بدين النصرانية، هجروا تلك العلوم، كما تقتضيه الملل والشرائع فيها، وبقيت في صحفها ودواوينها مخلدة باقية في خزائنهم، ثم ملكوا الشام، وكتب هذه العلوم باقية فيهم، ثم جاء الله بالإسلام، وكان لأهله الظهور الذي لا كفاء له، وابتزُّوا الرومَ مُلْكَهم فيما ابتزُّوه للأمم، وابتدأ أمرهم بالسذاجة والغفلة من الصنائع، حتى إذا تبحبح السلطان والدولة، وأخذوا من الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم، وتفننوا في الصنائع والعلوم، تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية، بما سمعوا من الأساقفة والأقسة المعاهدين بعض ذكر منها، وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها، فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم: أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب أوقليدس، وبعض كتب الطبيعيات؛ فقرأها المسلمون، واطلعوا على ما فيها، وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها.
وجاء (1/ 263) المأمون بعد ذلك، وكانت له في العلم رغبة بما كان ينتحله، فانبعث لهذه العلوم حرصا، وأوفد الرسل على ملوك الروم، في استخراج علوم اليونانيين، وانتساخها بالخط العربي، وبعث المترجمين لذلك، فأوعى منه واستوعب، وعكف عليها النظار من أهل الإسلام، وحذقوا في فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها، وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول، واختصوه بالرد والقبول، لوقوف الشهرة عنده، ودوَّنوا في ذلك الدواوين، وأربوا على من تقدمهم في هذه العلوم؛ وكان من أكابرهم في الملة: أبو نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا بالمشرق؛ والقاضي: أبو الوليد بن رشد، والوزير: أبو بكر بن الصائغ بالأندلس؛ إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم.
واختص هؤلاء بالشهرة والذكر، واقتصر كثيرون على انتحال التعاليم، وما ينضاف إليها من علوم النجامة، والسحر، والطلسمات؛ ووقفت الشهرة في هذا المنتحل على مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس، وتلميذه؛ ودخل على الملة من هذه العلوم وأهلها داخلة، واستهوت الكثير من الناس بما جنحوا إليها، وقلدوا آراءها؛ والذنب في ذلك لمن ارتكبه - {ولو شاء الله ما فعلوه}-.
ثم إن المغرب والأندلس، لما ركدت ريح العمران بهما، وتناقصت العلوم بتناقصه، اضمحل ذلك منها إلا قليلا من رسومه، تجدها في تفاريق من الناس، وتحت رقبة من علماء السنة.
ويبلغنا عن أهل المشرق: أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة، وخصوصا في عراق العجم، وما بعده فيما وراء النهر، وأنهم على ثبج من العلوم العقلية، لتوفر عمرانهم، واستحكام الحضارة فيهم.
ولقد وقفت بمصر على تآليف متعددة لرجل من علماء هراة، من بلاد خراسان، يُشهر: بسعد الدين التفتازاني، منها: في (1/ 264) علم الكلام، وأصول الفقه، والبيان، تشهد بأن له ملكة راسخة في هذه العلوم، وفي أثنائها ما يدل له على أن له اطلاعا على العلوم الحكمية، وقدما عالية في سائر الفنون العقلية، - {والله يؤيد بنصره من يشاء}-.
كذلك بلغنا لهذه العهد: أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الإفرنجة من أرض رومة، وما إليها من العدوة الشمالية،
نافقة الأسواق، وأن رسومها هناك متجددة، ومجالس تعليمها متعددة،
ودواوينها جامعة متوفرة، وطلبتها متكثرة، -
والله أعلم بما هنالك، وهو {يخلق ما يشاء ويختار} .
انتهى.
مع تحياتى ..........
==============================
صناعة الشعر ووجه تعلمه
هذا الفن من فنون كلام العرب، وهو المسمى: بالشعر عندهم، ويوجد في سائر اللغات؛ إلا أنا الآن إنما نتكلم في الشعر الذي للعرب، فإن أمكن أن تجد فيه أهل الألسن الأخرى مقصودهم من كلامهم، وإلا فلكل لسان أحكام في البلاغة تخصه.
وهو في لسان العرب غريب النزعة، عزيز المنحى؛ إذ هو: كلام مفصل قطعا قطعا متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم: بيتا؛ ويسمى الحرف الأخير، الذي تتفق فيه: رويا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى آخره: قصيدة وكلمة، وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام وحده مستقل عما قبله وما بعده؛ وإذا أفرد كان تاما في بابه في: مدح، أو تشبيب، أو رثاء؛ فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك في البيت ما يستقل في إفادته، ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك، ويستطرد للخروج من فن إلى فن، ومن مقصود إلى مقصود، بأن يوطئ المقصود الأول ومعانيه، إلى أن تناسب المقصود الثاني، ويبعد الكلام عن التنافر؛ كما يستطرد من التشبيب إلى المدح، ومن وصف البيداء والطلول إلى وصف الركاب أو الخيل أو الطيف، (1/ 291) ومن وصف الممدوح إلى وصف قومه وعساكره، ومن التفجع والعزاء في الرثاء إلى التأثر، وأمثال ذلك. ويراعي فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد، حذرا من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه، فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس.
ولهذه الموازين شروط وأحكام، تضمنها علم العروض؛ وليس كل وزن يتفق في الطبع استعملته العرب في هذا الفن، وإنها هي أوزان مخصوصة، تسميها أهل تلك الصناعة: البحور؛ وقد حصروها في خمسة عشرا بحرا، بمعنى أنهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطبيعية نظما.
واعلم: أن فن الشعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب، ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم، وشاهد صوابهم وخطئهم، وأصلا يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم؛ وكانت ملكته مستحكمة فيهم، شأن الملكات كلها؛ والملكات اللسانية كلها إنما تكتسب بالصناعة والارتياض في كلامهم، حتى يحصل شبه في تلك الملكة.
والشعر من بين فنون الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة من المتأخرين، لاستقلال كل بيت منه بأنه كلام تام في مقصوده، ويصلح أن ينفرد دون ما سواه، فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع تلطف في تلك الملكة، حتى يفرغ الكلام الشعري في قوالبه التي عرفت له في ذلك المنحى من شعر العرب، ويبرزه مستقلا بنفسه، ثم يأتي ببيت آخر كذلك، ثم ببيت، ويستكمل الفنون الوافية بمقصوده، ثم يناسب بين البيوت في موالاة بعضها مع بعض، بحسب اختلاف الفنون التي في القصيدة؛ ولصعوبة منحاه وغرابة فنه، كان محكا للقرائح في استجادة أساليبه، وشحذ الأفكار في تنزيل الكلام في قوالبه، ولا يكفي فيه ملكة الكلام العربي على الإطلاق، بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف (1/ 292) ومحاولة في رعاية الأساليب التي اختصته العرب بها، واستعمالها.
ولنذكر هنا سلوك الأسلوب عند أهل هذه الصناعة، وما يريدون بها في إطلاقهم.
فاعلم: أنها عبارة عندهم عن: المنوال الذي ينسج فيه التراكيب، أو القالب الذي يفرغ فيه، ولا يرجع إلى الكلام، باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الإعراب، ولا باعتبار إفادته كمال المعنى من خواص التراكيب، الذي هو وظيفة البلاغة والبيان، ولا باعتبار الوزن، كما استعمله العرب فيه، الذي هو وظيفة العروض.
فهذه العلوم الثلاثة: خارجة عن هذه الصناعة الشعرية، وإنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية، باعتبار انطباقها على تركيب خاص؛ وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها، ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب، باعتبار الإعراب والبيان، فيرصها فيه رصا، كما يفعله البنّاء في القالب، أو النساج في المنوال، حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام، ويقع على الصورة الصحيحة، باعتبار ملكة اللسان العربي فيه.
فإن لكل فن من الكلام أساليب تختص به، وتوجد فيه على أنحاء مختلفة؛ فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول، كقوله:
يا دار مية بالعلياء فالسند*
ويكون باستدعاء الصَّحْب للوقوف والسؤال، كقوله:
قفا نسأل الدار التي خفَّ أهلها*
أو: باستبكاء الصحب على الطلل، كقوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*
أو: بالاستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين، كقوله:
ألم تسأل فتخبرك الرسوم *
ومثل تحية الطلول، بالأمر لمخاطب غير معين بتحيتها، كقوله:
حي الديار بجانب العَزَل*
أو: بالدعاء لها بالسقيا، كقوله:
أسقى طلولهَم أجشُّ هزيم ** وغدت عليهم نضرة ونعيمُ
أو: سؤال السقيا لها من البرق، كقوله:
يا برقُ طالعْ منزلا بالأبرق ** وَاحْدُ السحاب لها حِداء الأَيْنُقِ
أو: مثل التفجع في الجزع، باستدعاء البكاء، كقوله:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر** فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
أو: باستعظام الحادث، كقوله:
أرأيت من حُملوا على الأعواد *
أو: بالتسجيل على الأكوان بالمصيبة لفقده، كقوله:
منابت العشب لا حام ولا راع ** مضى الردى بطويل الرمح والباع
أو: بالإنكار على من لم يتفجع له من الجمادات، كقول الخارجية:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ** كأنك لم تجزع على ابن طريف
أو: بتهئنة قريعة بالراحة من ثقل وطأته، كقوله:
ألقى الرماحَ ربيعةُ بن نزار ** أودى الردى بقريعك المغوار
وأمثال ذلك كثير في سائر فنون الكلام ومذاهبه، وتنتظم التراكيب فيه بالجمل وغير الجمل، إنشائية وخبرية، اسمية وفعلية، متفقة وغير متفقة، مفصولة وموصولة، على ما هو شأن التراكيب في الكلام العربي، في مكان كل كلمة من الأخرى؛ يعرفك به ما تستفيده بالارتياض في أشعار العرب، من القالب الكلي المجرد في الذهن، من التراكيب المعينة التي ينطبق ذلك القالب على جميعها؛ فإن مؤلف الكلام هو كالبنّاء أو النسَّاج، والصورة الذهنية المنطبقة كالقالب الذي يبني فيه، أو المنوال الذي ينسج عليه، فإن خرج عن القالب في بنائه، أو على المنوال في نسجه، كان فاسدا.
ولا تقولن: إن معرفة قوانين البلاغة كافية في ذلك، لأنا نقول: قوانين البلاغة إنما هي: قواعد علمية قياسية، تفيد جواز استعمال التراكيب على هيئاتها الخاصة بالقياس، وهو قياس علمي صحيح مطرد، كما هو قياس القوانين الإعرابية.
وهذه الأساليب التي نحن نقررها ليست من القياس في شيء، إنما هي هيئة ترسخ في النفس، من تتبع التراكيب في شعر العرب، لجريانها على اللسان، حتى تستحكم صورتها، فيستفيد بها العمل على مثالها، والاحتذاء بها في كل تركيب من الشعر - كما قدمنا ذلك في الكلام بإطلاق -، وإن القوانين العلمية من العربية والبيان لا يفيد تعليمه بوجه، وليس كل ما يصح في قياس كلام العرب وقوانينه العلمية استعملوه، وإنما المستعمل عندهم من ذلك أنحاء معروفة، يطلع عليها الحافظون لكلامهم، تندرج صورتها تحت تلك القوانين القياسية؛ فإذا نظر في شعر العرب على هذا النحو، وبهذه الأساليب الذهنية التي تصير كالقوالب، كان نظرا في المستعمل من تراكيبهم، لا فيما يقتضيه القياس.
ولهذا قلنا: إن المحصّل لهذه القوالب في الذهن، إنما هو حفظ أشعار العرب وكلامهم، وهذه القوالب كما تكون في المنظوم تكون في المنثور، فإن العرب استعملوا كلامهم في كلا الفنين، وجاؤوا به مفصلا في النوعين؛ ففي الشعر: بالقطع الموزونة، والقوافي المقيدة، واستقلال الكلام في كل قطعة؛ وفي المنثور: يعتبرون الموازنة والتشابه بين القطع غالبا، وقد يقيدونه بالأسجاع، وقد يرسلونه، وكل واحد من هذه معروفة في لسان العرب، والمستعمل منها عندهم هو الذي يبني مؤلف الكلام عليه تأليفه، ولا يعرفه إلا من حفظ كلامهم، حتى يتجرد في ذهنه من القوالب المعينة الشخصية قالب كلي مطلق، يحذو حذوه في التأليف، كما يحذو البنّاء على القالب، والنسّاج على المنوال.
فلهذا كان فن تأليف الكلام منفردا عن نظر النحوي والبياني والعروضي؛ نعم إن مراعاة قوانين هذه العلوم شرط فيه لا يتم بدونها، فإذا تحصلت هذه الصفات كلها في الكلام، اختص بنوع من النظر لطيف في هذه القوالب، التي يسمونها: أساليب، ولا يفيده إلا حفظ كلام العرب نظما ونثرا.
وإذا تقرر معنى الأسلوب ما هو؟ فلنذكر بعده حدا أو رسما للشعر، به تفهم حقيقته، على صعوبة هذا الغرض، فإنا لم نقف عليه لأحد من المتقدمين - فيما رأيناه -.
وقول العروضيين في حده: إنه الكلام الموزون المقفى، ليس بحد لهذا الشعر الذي نحن بصدده، ولا رسم له، وصناعتهم إنما تنظر في الشعر باعتبار ما فيه من الإعراب والبلاغة والوزن والقوالب الخاصة، فلا جرم أن حدهم ذلك لا يصلح له عندنا، فلا بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه الحيثية فنقول:
الشعر: هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به، فقولنا: (الكلام البليغ) جنس؛ وقولنا: (المبني على الاستعارة والأوصاف) فصل عما يخلو من هذه، فإنه في الغالب ليس بشعر؛ وقولنا: (المفصل بأجزاء متفقة الوزن والروي) فصل له عن الكلام المنثور الذي ليس بشعر عند الكل؛ وقولنا: (مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده) بيان للحقيقة، لأن الشعر لا تكون أبياته إلا كذلك، ولم يفصل به شيء؛ وقولنا: (الجاري على الأساليب المخصوصة به) فصل له عما لم يجر منه على أساليب العرب المعروفة، فإنه حينئذ لا يكون شعرا، إنما هو كلام منظوم، لأن الشعر له أساليب تخصه لا تكون للمنثور، وكذا أساليب المنثور لا تكون للشعر؛ فما كان من الكلام منظوما، وليس على تلك الأساليب، فلا يكون شعرا.
وبهذا الاعتبار كان الكثير من أهل هذه الصناعة الأدبية، يرون أن نظم المتنبي والمعري ليس هو من الشعر في شيء، لأنهما لم يجريا على أساليب العرب من الأمم، عند من يرى أن (1/ 297) الشعر يوجد للعرب وغيرهم؛ ومن يرى أنه لا يوجد لغيرهم، فلا يحتاج إلى ذلك، ويقول: مكانه الجاري على الأساليب المخصوصة.
وإذ قد فرغنا من الكلام على حقيقة الشعر، فلنرجع إلى الكلام في كيفية عمله، فنقول:
اعلم: أن لعمل الشعر، وإحكام صناعته، شروطا:
أولها: الحفظ من جنسه، أي من جنس شعر العرب، حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها، ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب؛ وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من الفحول الإسلاميين مثل: ابن أبي ربيعة، وكثير، وذي الرمة، وجرير، وأبي نواس، وحبيب، والبحتري، والرضي، وأبي فراس، وأكثره شعر (كتاب الأغاني) لأنه جمع شعر أهل الطبقة الإسلامية كله، والمختار من شعر الجاهلية.
ومن كان خاليا من المحفوظ، فنظمه قاصر رديء، ولا يعطيه الرونق والحلاوة إلا كثرة المحفوظ؛ فمن قل حفظه أو عدم لم يكن له شعر، وإنما هو نظم ساقط؛ واجتناب الشعر أولى ممن لم يكن له محفوظ؛ ثم بعد الامتلاء من الحفظ وشحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل على النظم، وبالإكثار منه تستحكم ملكته وترسخ.
وربما يقال: إن من شرطه نسيان ذلك المحفوظ، لتمحي رسومه الحرفية الظاهرة، إذ هي صادة عن استعمالها بعينها؛ فإذا نسيها وقد تكيف
مواضيع مماثلة
» المواضيع التي وقع فيها ذكر مصر
» شرح موجزفيما يتكلم فيه بالصاد مما يتكلم به العامة بالسين
» حفظ الطعام أصول ومبادئ
» أصول الخطاب السياسي الإسلامي
» أصول الفقه و إضاءات على متن الورقات
» شرح موجزفيما يتكلم فيه بالصاد مما يتكلم به العامة بالسين
» حفظ الطعام أصول ومبادئ
» أصول الخطاب السياسي الإسلامي
» أصول الفقه و إضاءات على متن الورقات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى