صورة الجسم و اضطراب صورة الجسم فى الطب النفسى

صورة الجسم و اضطراب صورة الجسم فى الطب النفسى

Body Image
لقد ظهر العديد من التعريفات لمصطلح صورة الجسم و منها تعريف جابر عبد الحميد وعلاء الدين كفافي (1989) اللّذين عرفا صورة الجسم بأنها " صورة ذهنية نكونها عن أجسامنا ككل بما فيها الخصائص الفيزيقية و الخصائص الوظيفية (إدراك الجسم) واتجاهاتنا نحو هذه الخصائص ( مفهوم الجسم ). على أن صورة الجسم تنبع لدينا من مصادر شعورية و لا شعورية وتمثل مكوناً أساسياً في مفهومنا عن ذواتنا ". ويتفق تعريف زينب شقير (2002) لصورة الجسم مع وجهة النظر السابقة إذ أنها تري بأنها "صورة ذهنية وعقلية يكونها الفرد عن جسمه سواء في مظهره الخارجي أو في مكوناته الداخلية وأعضائه المختلفة، وقدرته على توظيف هذه الأعضاء وإثبات كفاءتها وما قد يصاحب ذلك من مشاعر أو اتجاهات موجبة أو سالبة عن تلك الصورة الذهنية للجسم".
كما أوضح ثومبسون Thompson,J. (1990) أن لصورة الجسم ثلاث مكونات، هي:المكون المعرفي(الإدراكى) والذي يرتبط بالتقدير الدقيق لحجم الجسم. والمكون الوجداني(الذاتي): وهو يعبر عن مشاعرنا وأفكارنا واتجاهاتنا عن أجسامنا. والمكون السلوكي: الذي يشير إلى سلوك الفحص الذاتي المتكرر للجسم، والرغبة في تجنب المواقف التي تجعلنا نشعر بعدم الراحة عن الجسم. وهكذا فإن صورة الجسم تعد خليطاً من المكونات الإدراكية والوجدانية والسلوكية، وعندما نستحضر صورة أجسامنا في أذهاننا فإن الطريقة التي نتناول بها المعلومات تتطلب تفاعل تلك المكونات الثلاثة.
وأشار باكستونPaxton,S (1996) في دراسته إلى تأثير الأقران على صورة الجسم بين المراهقات ،حيث أكد أن محيط الأصدقاء يعتبر ثقافة فرعية تزيد أو تقلل من التركيز على النحافة وسلوكيات خفض الوزن وصورة الجسم. وذلك بما يتحدثون عنه من نظم الغذاء ونقصان الوزن وازدراء الدهون و الموضوعات التي تولي أهمية كون الفتاة نحيفة.
كما أن البيئات الأسرية قد تقدم نماذج تؤكد على النحافة وتدعم إتباع نظام غذائي وعدم الرضا عن صورة الجسم فلقد أوضح ريفيز وكاش Rieves,L.&Cash,T. (1996) أن تقارير فتيات الجامعة عن صورة جسم أمهاتهن تتوازى مع تقاريرهن عن صور أجسامهن، فإذا كان لدى الأمهات صورة سلبية عن أجسامهن تكون البنات كذلك والعكس صحيح.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن المضايقات التي تتعرض لها الفتاة من الأسرة والأقران بسبب وزنها يسهم في وجود رؤية سلبية لديها عن جسمها، فالمراهقات مفرطي الوزن اللاتي يتعرضن لبعض المضايقات مضايقتهن بسبب أجسامهن يرتبط بدوره بتطور اضطرابات صورة الجسم و اضطرابات الأكل لديهن (Thompson,J., 1995) .
وهناك العديد من الدراسات التي قامت بدراسة العلاقة بين وسائل الإعلام وعدم الرضا عن الجسم كعامل مؤثر في صورة الجسم، وكشفت تلك الدراسات عن أن هناك علاقة بين ما تشاهده المراهقات في التلفاز، وما يقرأنه في مجلات الأزياء والموضة وعدم رضائهن عن أجسامهن ويصبحن أكثر خوفا من السمنة، وأكثر انشغالاً ورغبة في النحافة، وقد يعانين بسبب ذلك من اضطرابات صورة الجسم.

اضطراب صورة الجسم :Body Image Disorder
اضطراب صورة الجسم يعنى تشوه صورة الجسم Body Dysmorphic Disorder من وجهة نظر الشخص نفسه نتيجة لعدم رضاه عن مظهر جسمه كأن يرفض أجزاء جسمه أن تكون بما هي عليه كالشكل والوزن وحجم الصدر بالنسبة للإناث والطول أو القصر وما إلى ذلك . وصورة الفرد السلبية نحو جسمه أو عدم رضاه عنها قد يكون أحد هذه العوامل التي تعوق توافقه مع ذاته وبيئته المحيطة به في الوقت ذاته، وقد يكون هذا سبباً في معاناته من اضطرابات سلوكية تعكس عدم اتزانه وسوء توافقه.
وتنتشر اضطرابات صورة الجسم بين النساء وخصوصاً الاضطرابات التي ترتبط بعدم الرضا عن صورة الجسم، فقد أشار كل من كاش وهنرى Cash,T. & Henry,p. (1990) في الإحصائية القومية الأمريكية أن نصف النساء في أمريكا مشغولات بوزنهن، ولديهن تقييمات سلبية عن شكلهن العام .
أضف إلى ذلك أن اضطراب صورة الجسم يبدأ في مرحلة مبكرة جداً من حياة الفتاة. ولقد أوضح كولينزCollins,M. (1991) في دراسته أن42% من البنات في عمر 6-7 سنوات يفضلن أشكال جسم مختلفة عما هن عليه، ويرغبن في أجسام أكثر نحافة. أما نتائج دراسة ثومبسون وآخرونThompson,J. et al. (1997) فقد أظهرت أن 49 % من الفتيات10-12 عاماً يرين أن الشكل المثالي لجسمهن ينبغي أن يكون أكثر نحافة من وزنهن الحالي. بينما وجد كـل من درينوفسكسي، و ويىّ Drewnowski,A.& Yee,D (1987) أن حوالي 85 % من الفتيات في السنة الجامعية الأولى يرغبن في خفض أوزانهن .
وقد أكد سترايتير Straeter,S. (2002) في دراسته التي استهدفت فحص العلاقة بين كل من صورة الجسم واضطرابات الأكل والتي أجريت على (57) من طالبات الجامعة واللائي تم تقسيمهن بناءً على استجابتهن على مقياس صورة الجسم إلى مجموعتين هما: ذوات صورة الجسم الموجبة وذوات صورة الجسم السالبة، فقد كشفت النتائج عن أن الفتيات في المجموعة الثانية لديهن عدد من السمات التي تجعلهن أكثر عرضة لنمو اضطرابات الأكل لديهن والتي من بينها الصورة السلبية للجسم.
كما أن المناخ الاجتماعي الثقافي السائد في المجتمع قد يعد وحداً من العوامل التي تؤثر على صورة الجسم وخصوصاً في المجتمعات الغربية التي تركز على النحافة كمعيار للجمال والجاذبية الجنسية. وللتعرف على أثر صورة الجسم في الثقافات المختلفة على اضطرابات الأكل، قامت بان Pan,A. (2000) بالمقارنة بين ثلاث عينات من النساء (الصينيات، والأمريكيات لأصول صينية، والأسبانيات) وبلغ عددهن (387) امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 18- 24عاماً، فقد تبين من النتائج أن عدم الرضا عن صورة الجسم ترتبط ايجابياً بإضطرابات الأكل لدي العينات الثلاث .
وإذا كانت صورة الجسم من السمات التي يتأثر فيها الفرد بالثقافة التي يعيش فيها،لذا فإننا من الصعب أن نعتمد على الدراسات الغربية فقط في هذا الصدد لتعميم نتائج تلك الدراسات على مجتمعاتنا، ذلك أن العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعاتنا الشرقية تختلف عما هو شائع بالغرب. ومن بين الدراسات التي اهتمت بدراسة صورة الجسم في المجتمعات العربية دراسة إبراهيم على ومايسة النيال (1994) التي ركزت على التعرف على صورة الجسم لدى الإناث في المجتمع القطري، وكشفت النتائج أن الأنثى القطرية تعتبر النحافة و الرشاقة هي من معايير الجمال والجاذبية وتقبل الآخرين لها، بل أن بعضهن يتصورن أن النحافة الشديدة هي مظهر من مظاهر المرأة العصرية. وفي نفس الإطار اهتمت دراسة علاء الدين كفافي ومايسة النيال (1995) بالمقارنة بين المراهقات المصريات و المراهقات القطريات في صورة الجسم واللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 14-22 عاماً، وقد كشفت نتائج الدراسة عن أن كل من العينتين تهتمان بصورتهن الجسمية. وهكذا يبدو أن هناك تقارب بين الثقافتين العربية والغربية في رؤية الإناث لصورة الجسم بالرغم من اختلاف الثقافات، ولعل مرجع ذلك كون العالم أصبح قرية كونية واحدة بسبب انتشار الأقمار الصناعية والأطباق الفضائية التي أصبحت تقرب بين هذه الثقافات وتزيل الحواجز بين ثقافات المجتمعات.


محكات تشخيص اضطراب صورة الجسم:
يحدد دليل التشخيص الإحصائي للأمراض النفسية والعقلية الأمريكي الرابع (1994) DSM I V عدداً من المحكات التشخيصية لاضطراب صورة الجسم أو اختلال الشكل الجسمي المعيب وذلك على النحو التالي:
أولاً: انشغال كبير من جانب الفرد بعيب متخيل في مظهره الجسمي ويصبح هذا الانشغال مفرطا إذا كان هناك ولو قدر ضئيل من الشذوذ في تكوين الجسم أو في أبعاده المختلفة.
ثانياً: يسبب هذا الانشغال قدراً كبيراً من الكرب للفرد تكون له دلالته من الناحية الإكلينيكية كما أنه يسبب له خللاً في أدائه الوظيفي الاجتماعي أو المهني أو غير ذلك من مجالات الأداء الوظيفي ذات الأهمية.
ثالثاً: لا يرجع هذا الانشغال إلى أي اضطراب عقلي كعدم الرضا عن شكل وحجم الجسم في حالة فقدان الشهية العصبي على سبيل المثال.